في فبراير 1992، اغتال الكيان، أمين عام حزب الله عباس الموسوي، كانت تلك ضربة موجعة للحزب والمقاومة اللبنانية التي كانت بصدد بناء قدراتها، وكانت بيروت ولبنان نفسه بصدد التعافي من آثار الغزو الإسرائيلي الذي كان قد تم في جوان 1982، وكذا من حرب أهلية طويلة كانت تغذيها إسرائيل.
لم يكن حسن نصر الله في الصورة بشكل يمكن أن يعطي أي مؤشر على أنه سيكون على رأس الحزب والمقاومة، ولم يكن معروفا عنه شخصيته التي ظهرت على سطح الأحداث لاحقا، خاصة وأن طبيعة الحزب كانت تمنح للأمين العام مساحة كبيرة تغطي من حوله من الشخصيات السياسية، كما لم تكن التقديرات توحي بأن نصر الله سيكون على قدر من الكاريزمية، وإدارة صارمة للمواجهة مع المحتل، أكثر بكثير من الأمين العام السابق عباس الموسوى.
بعد تسلّم نصر الله مقاليد إدارة الحزب على الصعيد السياسي والميداني، في سياق مواجهة مستمرة مع الكيان، ومع مخلّفاته من جيش لبنان الجنوبي بقيادة العميل لحد، وظروف التمركز في الساحة اللبنانية التي كانت بصدد ترتيب الشؤون الداخلية بعد اتفاق الطائف، كان السؤال الذي يطرح في لبنان عن طبيعة الأمين العام الجديد وكيفية تعاطيه بالأساس مع الشأن الداخلي الهش، في فترة ما بعد الإتفاق الذي أنهى الحرب الأهلية، وقبل ذلك داخل مجتمع حزب الله، عن قدرة الأمين العام الجديد نصر الله في الاستخلاف القيادي للموسوي، ومدى إمكانية أن تتوفر له الشخصية والميزات القيادية التي تتيح له شغل المنصب بأبعاده السياسية واستحقاقاته الروحية والعسكرية.
احتاج اللبنانيون وأنصار حزب الله خاصة، إلى وقت قصير لملاحظة التطور الحاصل في تمركز حزب الله وزيادة تأثيره في الأحداث في لبنان وذات الصلة بالمواجهة مع العدو الإسرائيلي، كانت حرب الاستنزاف التي قادها الحزب ضد إسرائيل قد دفعت الأخيرة إلى اتخاذ قرار عام 2000 بالانسحاب من الجنوب، كان ذلك أول نصر ميداني رفع من شأن نصر الله وحزب الله، تم تحرير 125 قرية لبنانية كانت واقعة تحت الاحتلال الإسرائيلي المباشر، بالإضافة إلى 33 قرية أخرى كانت تحت سيطرة جيش لبنان الجنوبي العميل لإسرائيل.
في حرب 2006 التي أصر فيها حزب الله على تحرير الأسرى من السجون الإسرائيلية، برز وجه قيادي لافت لنصر الله، ليس على صعيد إدارة المعركة، ولكن على صعيد المفاوضات مع العدو التي أنجزت بوساطة ألمانية، سمحت بإفراغ السجون الإسرائيلية من كل الأسرى اللبنانيين، بما فيهم عميد الأسرى سمير القنطار، وكان ذلك إنجازا كبيرا بالنسبة للمقاومة ولنصر الله، بما يجعل منجزات المقاومة اللبنانية على الأرض في مسار المواجهة مع الكيان تتحدث بنفسها عن نفسها، بغض النظر عن بعض المسارات الأخرى التي يمكن أن تكون خيارات خاطئة من وجهة نظر بعيدة عن الأحداث.
بعد اغتيال نصر الله من قبل إسرائيل، مساء الجمعة، في الضاحية الجنوبية في بيروت، تكون إسرائيل قد كررت نفس مشهد اغتيال الموسوي عام 1992، وهذا يعني أن قائدا جديدا للحزب سيظهر في أفق الفترة المقبلة، ليس واضحا ما إذا كان نائب الأمين العام نعيم قاسم هو من سيقود الحزب، لكن ما قد يتكرر أيضا، هو إمكانية أن يكون القائد الجديد للحزب، أكثر صلابة من سلفه نصر الله في إعادة بناء مقدرات الحزب وإدارة المواجهة مع الكيان، وربما تغيير أدواتها، وبالمحصلة، تبقى الاغتيالات كانت دائما أسلوبا صهيونيا لإدارة الصراع مع المقاومة، في لبنان أو فلسطين، غير أن ما يلاحق هذه العمليات وغيرها، وهو ما إذا كانت هذه الاغتيالات قادرة فعلا على إنهاء كابوس المقاومة، وما إذا منحت أو ستمنح الكيان جرعة هدوء أو تحقق لمجتمعه قدرا من الدعة والسكينة، أم أنها كانت تولّد مزيدا من القلق الضاغط على أعصاب الصهاينة قادة ومجتمعا قدرت له الفكرة الصهيونية أن يولد في سجن وحرب ويعيش في سجن وحرب .