أعلنت مفوضية الاتحاد الأوروبي في 14 جوان الماضي، عن "تفعيل إجراءات لتسوية المنازعات مع الجزائر"، معترضة على قرارات نفذتها الجزائر منذ 2021 تهدف إلى تنظيم الواردات وتحفيز الإنتاج المحلي.
وشملت القرارات التي وصفتها المفوضية الأوروبية بأنها "تقييدية"، نظام تراخيص الاستيراد وحوافز لاستخدام المدخلات المحلية في قطاع السيارات، وتنظيم المشاركة الأجنبية في الشركات الأجنبية.
وفهمت الأوساط السياسية والإعلامية في الجزائر، حينها، بأن الاتحاد الأوروبي يلوّح بعقوبات ضد الجزائر، خصوصا أنه ذكر أنه يعتزم اللجوء إلى التحكيم، بحجة أن التدابير التي اتخذتها، "تخرق اتفاق الشراكة" بين الطرفين، الذي يجري تنفيذه منذ 2005.
وبعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر، نشر عبد الوهاب يعقوبي، نائب حركة مجتمع السلم بالمجلس الشعبي الوطني، عن الجالية الجزائرية في فرنسا، بحسابه بـ"فيس بوك"، أمس الخميس، ردّ وزير الخارجية أحمد عطاف، على سؤال له يستفسر عن "المخاطر المحتملة التي قد تتعرض لها بلادنا، لاسيما التبعات المالية"، بشأن الإجراءات التي تحدثت عنها المفوضية الأوروبية.
وكشف الوزير في إجابته، عن مشاورات جمعت الطرفين "لتسوية النزاع بالتراضي"، مشيرا إلى احتمال التوجه إلى آلية التحكيم الثنائية التي يشملها اتفاق الشراكة، غير أن ذلك مستبعد، بحسب عطاف، "إذ يتم التوصل عموما إلى توافقات في مرحلة المشاورات".
ويفهم من كلامه أن المشاورات لاتزال متواصلة، من دون توضيح متى انطلقت. وحرص رئيس الدبلوماسية الجزائرية على التأكيد، بأن الأمر لا يتعلق بعقوبات ضد الجزائر، لافتا إلى أن التدابير التي اتخذها الاتحاد الأوروبي، "تتوافق من حيث الشكل مع ما هو منصوص عليه في اتفاق الشراكة، إلا أنها تثير بعض التساؤلات من حيث المضمون".
وأشار عطاف إلى أن "الإحصائيات الخاصة بالمبادلات التجارية بين الجزائر والاتحاد الأوروبي، وتقديرات الأضرار التي تذرعت بها المفوضية الأوروبية لتبرير فتح هذا النزاع، لا تعبر عن حقيقة الوضع.
فالتدابير التجارية المتخذة من قبل الجزائر لم تؤثر فعليا على حجم هذه المبادلات، في ظل النظام التفضيلي لاتفاق الشراكة.
وخلافا لذلك سجلت ارتفاعا بنسبة تفوق 20% سنة 2023 مقارنة بسنة 2022، وبنسبة 15% في الثلاثي الأول من سنة 2024 مقارنة بنفس الفترة لسنة 2023".
وأفاد الوزير بأن اتفاق الشراكة "أظهر اختلالات كبيرة وعدم مسايرته للواقع الحالي للجزائر، فالصيغة الحالية للاتفاق تكرس الاستمرار في نمط الاستيراد عوض الاستثمار والاقتصاد المنتج، وهو ما أدى إلى اختلال التوازن بين مصالح الطرفين لصالح الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي يتنافى مع جوهر الاتفاق ومقصده الرئيسي".
كما أشار عطاف إلى "العجز المزمن الذي يميز الميزان التجاري خارج المحروقات، منذ دخول اتفاق الشراكة حيز التنفيذ عام 2005.
ففي الوقت الذي بلغ فيه حجم المبادلات التجارية تقريبا 1000 مليار دولار، لم تتجاوز استثمارات الاتحاد الأوروبي 13 مليار دولار، غالبيتها العظمى في قطاع المحروقات مقابل تحويل أرباح بقيمة 12 مليار دولار في الفترة الممتدة من 2005 إلى 2022".
مشددا على أن "هذا الاختلال الكبير دفع رئيس الجمهورية إلى إسداء تعليمات بمراجعة اتفاق الشراكة بندا بندا، بنظرة سيادية ووفق مقاربة رابح – رابح، مع مراعاة مصلحة المنتج الوطني لاستحداث نسيج صناعي ومناصب شغل، وهي مراجعة تحضر لها دائرتنا الوزارية مع مختلف القطاعات الوزارية المعنية".
وتابع الوزير بأن اتفاق الشراكة لم تدخل عليه أي إجراءات ثنائية شاملة، وأن ما تم لحد الساعة كان، حسبه، مراجعة جزئية تتعلق بمخطط التفكيك الجمركي وذلك سنة 2010. ثم جرى تقييم مشترك بطلب من الجزائر في 2015، وتقييم آخر للاتفاقيات التجارية التفضيلية كان في 2020، حسب عطاف.