السؤال الجوهر اليوم يتعلق بثلاثية الأمن الوطني والأمن الغذائي والأمن المائي، مع اقتراب الانتخابات الرئاسية، مع الوضع الصعب في المنطقة، ففي الجنوب تضطرب الأوضاع في جمهورية مالي، وفي الشرق تعاني ليبيا من نتائج الانقسام، ولا يجوز حصر الأمن في الجزائر في استمرار التهديدات القادمة من وراء حدود البلاد، فقد أكدت القيادة والطبقة السياسية في البلاد طيلة فترة الترويج للانتخابات الرئاسية واستمالة الناخبين، على أن الجزائر تواجه تحدّيات مائية وغذائية وأمنية كبرى.
تركّزت جهود الدولة الجزائرية في السنوات الأخيرة على الوصول إلى الاكتفاء الذاتي في المنتجات الفلاحية، وتعهّد مترشح الانتخابات الرئاسية، عبد المجيد تبون، بالوصول إلى الاكتفاء الذاتي في القمح. وشددت تعليمات الرئيس تبون للحكومة، في وقت سابق، على تحقيق الاكتفاء الذاتي في الذرة والمحاصيل الاستراتيجية، وتعمل وزارة الفلاحة منذ سنوات على رفع مساحة الأراضي الفلاحية المستصلحة في الجنوب ضمن مقاربة تقوم على أساس رفع مساحة الأراضي الفلاحية أولا ثم تحسين مردود الأرض الفلاحية ثانيا، ثم رفع مساحة الأراضي الفلاحية المخصصة لزراعة المحاصيل الاستراتيجية، وتم تجنيد كل وسائل الدولة لتحقيق هذه الأهداف.
وفي هذا المجال قفزت مساحة الأراضي الفلاحية في الجزائر بحوالي 1.5 مليون هكتار إضافي في الفترة بين عامي 2020 و2023، وارتفعت مساحة الأراضي المخصصة لمحاصيل القمح والشعير والذرة بحوالي 850 ألف هكتار إضافي في نفس الفترة.
وطبقا للأرقام الرسمية، فإن 90 بالمئة من هذه المساحات موجودة في مناطق الإستصلاح الفلاحي في ولايات الجنوب، كما أن توجّه الدولة يقوم في مجال الأمن الغذائي على ربط الزراعة بنسيج جديد من الصناعة الغذائية. ويتضمّن البرنامج الانتخابي للمترشح عبد المجيد تبون، رفع مساحة الأراضي الفلاحية في الجنوب والتكفّل التام بكل مطالب الفلاحين والمستثمرين في مجال الفلاحة بالجنوب وتسهيل الإجراءات الإدارية أمام المستثمرين في الإستصلاح.
من جانبه، تضمّن برنامج مترشح الانتخابات الرئاسية عبد العالي حساني، تطوير الزراعات الاستراتيجية وتحقيق الكفاية الشاملة وإنشاء أقطاب فلاحية كبرى مدمجة ومتكاملة
مناخيا واقتصاديا، أما المترشح يوسف أوشيش، فإن برنامجه الانتخابي يتضمّن إصلاح القطاع الزراعي وتحقيق الاكتفاء الذاتي في الكثير من الشعب، سيما ما تعلّق بشعبة الحبوب، من خلال مضاعفة مساحات الأراضي المروية والأراضي المستغلة في المجال الزراعي.
الأمن والدفاع
تتفق برامج مرشحي الانتخابات الرئاسية الثلاثة، على أولوية الأمن والاستقرار في الجزائر وفي إقليمها وتثمين النتائج المحققة في مجال الاستقرار الداخلي واعتبار الأمن الوطني خطا أحمر. وتضمّن برنامج المترشح يوسف أوشيش الدفاع عن المصالح الاستراتيجية للجزائر وعلى أمنها القومي، مع الالتزام بإعادة تقييم علاقات الجزائر مع جميع شركائها على أساس المصلحة الوطنية والمعاملة بالمثل والاحترام المتبادل وتقوية العلاقات مع الشركاء في إفريقيا والاستمرار في الدعم الكلي للقضايا العادلة، على رأسها القضية الفلسطينية والقضية الصحراوية. أما المترشح عبد العالي حساني، فإن برنامجه الانتخابي يشير إلى تطوير القدرات العسكرية والجاهزية الحربية وتطوير قدرات التصنيع العسكري والتحكم التكنولوجي وتوسيع نطاق الأمن القومي إلى أمن دول الجوار تنسيقا وتعاونا، وتطوير الدفاع الوقائي والقدرات الاستخباراتية في مواجهة المخاطر الخارجية.
أما برنامج المترشح الحر عبد المجيد تبون، فإنه يقوم على قراءة استراتيجية للوضع الداخلي في الجزائر وعدم فصل الأمن الوطني الداخلي والأمن في الإقليم، وأن سيادة الجزائر خط أحمر. بالنسبة للمترشح عبد المجيد تبون، فإن الجزائر يجب أن تبقى دائما دولة رائدة في القارة الإفريقية وعنصر فعال وقوي في المنطقة العربية.
الأمن المائي
تشهد مناطق عدة في الجزائر، منذ سنوات، حالة من الجفاف ونقص الأمطار، هذا الوضع دفع الحكومة إلى مباشرة مشاريع عاجلة لتوفير الماء الصالح للسكان عبر إنشاء محطات تحلية المياه. وقد قررت الدولة في السنوات الأخيرة تمويل مشاريع كبيرة في عدة ولايات بالداخل والجنوب، من بينها المشاريع العاجلة التي أمر رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون بتنفيذها في ولاية تيارت لمواجهة أزمة ماء الشرب في هذه الولاية، كما نفّذت الحكومة مجموعة من مشاريع الري، أبرزها حفر أكثر من 980 بئر ارتوازي بولايات الجنوب في عامي 2022 و2023، إضافة إلى مشاريع إنجاز خزانات مائية وتجديد شبكات الماء، وتعهّد برنامج الرئيس تبون الانتخابي بتحقيق الأمن المائي عبر مقاربة تعتمد على تحلية مياه البحر واستغلال أمثل للمياه الجوفية وتعزيز محطات تصفية المياه المستعملة.
وقال المترشح عبد العالي حساني، إن برنامجه يعتبر أن أي تنمية اقتصادية غير ممكنة دون توفّر المياه بالكميات الكافية، بينما قال مترشح الانتخابات، يوسف أوشيش، إن رفع حصة المواطن الجزائرية من ماء الشرب، هي أولوية بالنسبة له، وأن قطاع الموارد المائية هو قاطرة التنمية الصناعية والفلاحية.
إجماع حول استراتيجية مائية بديلة
تعمل الجزائر من خلال استراتيجيتها للأمن المائي، على ثلاثة محاور رئيسية تمر عبر تحلية مياه البحر وتصفية المياه المستعملة وترشيد الاستهلاك، حيث يكتسي الأمن المائي في الجزائر طابعا استراتيجيا في مسار التنمية الشاملة للبلاد لارتباطها الوثيق بالتنمية المستدامة، في ظل شح التساقطات المطرية وتأثيرات التغيّرات المناخية، ويحمل البرنامج الانتخابي لمترشحي رئاسيات 7 سبتمبر الجاري نظرة استشرافية لإدارة الموارد المائية بشكل فعال ومستدام.
تعوّل الجزائر في استراتيجيتها للأمن المائي، على ضوء أجندات المترشحين الثلاث لرئاسيات الـ7 سبتمبر 2024 على موارد مائية غير تقليدية ضمن مزيج من الحلول التي تعمل عليها للتخفيف من ظاهرة شحّ المياه، بحكم موقعها الجغرافي الذي يجعلها، على غرار باقي المنطقة المتوسطية، معرّضة لتداعيات التغيّرات المناخية، لاسيما نقص التساقطات المطرية الذي أدى إلى تراجع مخزون السدود، وذلك بخطة عمل واضحة المعالم، تعتمد أساسا على تحلية مياه البحر لتأمين تزويد الساكنة بماء الشرب، موازاة مع إعادة استعمال المياه المستعملة المصفاة في مختلف القطاعات ووضع خارطة مائية تحدّد مقدّرات الجزائر من المياه الجوفية وتوزيعها.
يسعى المترشح الحر عبد المجيد تبون لتحقيق الأمن المائي للجزائر من خلال برنامج يمتد بين 2025 و2030، من خلال تعميم محطات تحلية مياه البحر على طول الشريط الساحلي للوطن، مكافحة تبذير وتبديد المياه وإعادة رسكلة المياه المستعملة لاستخدامها في المجال الزراعي والصناعي، ويتم تجسيد ذلك من خلال وضع خارطة مائية تحدّد بدقة المقدرات المائية الجوفية للجزائر وتوزيعها، إتمام المخطط الوطني لتعميم إنشاء محطات تحلية مياه البحر على طول الشريط الساحلي لمواجهة أزمة الجفاف، بناء السدود المائية بشكل مدروس لتغطية العجز في مناطق التذبذب وكذا ربط السدود ضمن شبكة وطنية من أجل توازن في التوزيع وتزويد المواطنين بالماء الشروب بشكل مستمر ومستقر كسياسة استباقية ورفع قدرات السدود للمياه، من خلال عمليات التهيئة والتطوير واستغلال مياه الأمطار بشكل علمي ناجع وتعزيز العمل بتقنية استرجاع المياه المستعملة بهدف استغلالها في مختلف القطاعات.
ويحمل برنامج مرشح "حمس"، المترشح عبد العالي حساني شريف، نظرة للأمن المائي للجزائر من خلال تنمية الموارد المائية والحفاظ عليها وحمايتها من التلوث وتحسين استغلال المياه السطحية المختلفة، ووضع خطط وطنية شاملة لترشيد استغلال الموارد المائية وتشجيع اعتماد أنظمة تجميع مياه الأمطار بالمحيطات السكنية، وضع تدابير رقابية وقائية ضد تلوث المياه الجوفية، تعزيز آليات مراقبة الجودة والحد من التبذير.
من جهته، يلتزم مترشح الأفافاس، يوسف أوشيش في نظرته الاستراتيجية للأمن المائي للجزائر، على وضع خطط إدارة متكاملة، تحديث البنية التحتية المائية والشبكات الحضرية، إطلاق عملية وطنية واسعة للكشف عن تسربات المياه وإصلاحها، إطلاق عمليات منتظمة لتطهير السدود، تحسين معالجة وإعادة استخدام المياه المستعملة، بناء المزيد من السدود ومحطات تحلية مياه البحر، وكذا تشجيع تقنيات الري المبتكرة والموفّرة للمياه، تطوير خطط الطوارئ لمواجهة الجفاف وحماية المناطق الرطبة والأنهار والبحيرات وكذلك الطبقات الجوفية.