+ -

يعد فصل الصيف ذروة مجازر الطرقات بالجزائر، حيث سجلت المديرية العامة للحماية المدنية 495 حالة وفاة و 21399 جريحا قضوا في أكثر من 16 ألف حادث سير منذ انطلاق موسم الاصطياف في 1 جوان إلى 19 أوت2024. وفي ظل هذا الارتفاع لاحت مجموعة من الأسئلة حول الأسباب التي تقف وراء ارتفاع عدّاد حوادث السير خلال موسم الاصطياف، الذي يعرف حالة من اللا أمن في الطرقات بالنظر لديناميكية حركة السيارات التي تقصد شمال البلاد كل صيف.

وفق المكلف بالإعلام في الحماية المدنية، الملازم كريم بن حفصي، يشهد فصل الصيف ارتفاعا في حوادث المرور لأسباب متعارف عليها تتعلق بالإفراط والسرعة، عدم احتراف قانون المرور، التجاوز على الخط المستمر، التجاوز في المنعرجات المغلقة، عدم التركيز في مقود السيارة بسبب استعمال الهاتف النقال، ناهيك عن التعب والإرهاق الذي يصيب السائقين بسبب قلة النوم والسهر الطويل.

ولفت بن حفصي إلى أن عشاق السرعة والمناورات الخطيرة  تسببوا في مجازر مرورية  منذ بداية العام، وذلك رغم إقرار تعديلات جذرية على القانون المنظم لحركة المرور بالبلاد، يشمل تشديد العقوبات على المخالفين، ومضاعفة الغرامات المالية على السائقين والمارة.

وقد أحصت المديرية العامة للحماية المدنية، منذ بداية موسم الاصطياف، 42011 حادثا مروريا من مجموع 75603 تدخلات لأعوان الحماية المدنية عبر الوطن، خلف وفاة 1247 شخصا وإصابة 52536 آخرين بجروح. 

وأبرز بن حفصي أن  مشكل  حوادث السير يتعلق بتصرفات بعض السائقين المتهورين وغير المسؤولين عبر الطرقات، بالإضافة إلى مواصلة قيادة بعض السواق لمركباتهم رغم التعب والإرهاق ونقص التركيز خاصة في الصباح الباكر، سيما مركبات نقل المسافرين والبضائع، مما يؤثر على صحتهم النفسية التي تعتبر أولوية وعاملا رئيسيا في التركيز.

في السياق نفسه، كشف الرائد قريني جمال، من قسم أمن الطرقات بقيادة الدرك الوطني، عن أرقام مرعبة لحوادث المرور المسجلة من 21 جوان إلى 25 أوت 2024، والتي تجاوزت الـ 1700 حادث مروري خلف 662 قتيلا و2858 جريحا، أغلبها سجلت بالولايات الساحلية والداخلية، تتصدرها ولاية البليدة بـ 30 قتيلا، الجلفة بـ 26 قتيلا، المسيلة بـ 24 قتيلا، تيبازة بـ 17 قتيلا والشلف بـ 14 قتيلا.

وأرجع محدثنا أسباب ارتفاع عداد حوادث السير في فصل الصيف إلى عدة عوامل، يأتي في مقدمتها تغافل السائق بـ 219 حادثا، وذلك بسبب الحرارة الشديدة والتعب ما يخلف حالة من التوتر والضغط العصبي، وبالتالي قد تنحرف المركبة عن مسارها وتحدث الكارثة في غياب التركيز.

ويضاف إلى هذا العامل الرئيسي، عدم تخفيض السرعة في المنعرج بـ 211 حادثا، السير على اليسار بـ 204 حوادث، عدم احترام المسافة الأمنية بـ 161 حادثا، قطع الطريق دون حذر بـ 123 حادثا، التجاوز دون أخذ الاحتياطات اللازمة بـ 115 حالة، حالة المركبات بـ 81 حادثا، إضافة إلى حالة المحيط والطرقات بـ 62 حالة والسرعة المفرطة بـ 58 حادثا.

والملفت للانتباه في إحصائيات حوادث المرور لصيف 2024، أن السيارات النفعية والشاحنات تحول الطرقات إلى شبه مقابر تحصد سنويا هي الأخرى مئات الأرواح مثل ما حدث في الأيام القليلة الماضية بالطريق السيار شرق – غرب بمنطقة الجباحية غرب ولاية البويرة، حيث لقي شخصان حتفهما وأصيب أربعة آخرون في حادث مرور تسلسلي وقع تسببت فيه سيارتان وشاحنتان.

وبالرجوع إلى الأرقام المسجلة في هذا الإطار، تسببت السيارات النفعية في 127 حادث سير أسفر عن 25 قتيلا و131 جريحا، تليها الشاحنات بـ 52 حادثا خلفت 5 قتلى و22 جريحا.

كما أشار محدثنا إلى أن تنظيم الرحلات الصيفية عبر الحافلات من المناطق الداخلية والجنوبية إلى الولايات الساحلية كانت وراء ارتفاع عداّد حوادث المرور، خلال موسم الاصطياف.

وأوعز ممثل الدرك الوطني أسباب تورط سائقي الحافلات المنظمة للرحلات الاستثنائية، في فصل الصيف، إلى جهلهم لخصوصية الطرقات والنقاط والمقاطع السوداء بالمناطق الساحلية، ناهيك عن نقص الخبرة والتكوين باعتبار أن أغلب السائقين من فئة الشباب، مشيرا إلى أن الحوادث تقع بين الساعة الثانية إلى الخامسة مساء.

 

السياقة تحت تأثير المهلوسات تفسد العطلة  

 

السياقة تحت تأثير الكحول والمؤثرات العقلية هي الأخرى تفسد متعة العطلة الصيفية، إذ أكد الرائد قريني أن أعلى نسبة لحوادث المرور تلك المتعلقة بالمراقبة المرورية عبر أجهزة الكشف عن الكحول والمخدرات، تورط فيها بالدرجة الأولى أصحاب المركبات السياحية، تليها مركبات الوزن الثقيل ونقل المسافرين، ثم في المرتبة الأخيرة أصحاب الدراجات النارية.

وفي تأكيده على أهمية خضوع بعض سائقي المركبات لكشف تعاطيهم للمواد المخدرة، أفاد محدثنا إن تعاطي سائقي المركبات السياحية والوزن الثقيل والحافلات للكحول والمؤثرات العقلية غالبا ما يتسبب بوقوع حوادث بالجملة تحصد أرواح عشرات الأشخاص، لذلك "نحن نشجع على أن يخضع كل السائقين للفحص على الطرق بين فترة وأخرى لكشف تعاطيهم لتلك السموم".

وحول ما تقوم به مصالح الدرك لرصد تعاطي بعض السائقين للمؤثرات العقلية والكحول، أوضح محدثنا: "إننا ننفذ حملات تفتيشية مفاجئة وبصفة دورية على الطرق من خلال فرق ميدانية متخصصة. وبعد توقيف الأشخاص الذين تبدو عليهم علامات الإدمان، وأثناء عملية مراقبة وثائقهم يمكن للدركي تحديد حالة السائق سواء من خلال الرائحة أم التصرفات. وعلى الفور يستعمل عناصر أمن الطرقات جهاز قياس نسبة الإدمان الذي يتم ضبطه وفقا للنسبة المحددة قانونا والتي لا يجب أن تتجاوز جرعة 0.20 غ لإثبات المسؤولية الجزائية. وبمجرد ما يقوم الجهاز بكشف ذلك، يتم منع السائق من السياقة وتحرر ضده مخالفة حسب درجة الخطورة، ليتم إحالته بعدها على العدالة التي تفصل في القضية".

وتشير المعلومات التي أوردتها الصفحة الرسمية "طريقي" لقيادة الدرك الوطني، وفقا لنتائج بعض الدراسات المتعلقة بهذا الموضوع، أن تعاطي الكحول والمخدرات يفقد السائق التركيز وعدم وضوح الرؤية، ما يؤدي به إلى القيام بتصرفات خطيرة ومتهورة تودي بحياته وبحياة مستعملي الطريق.

وعلى هذا الأساس، تبنى المشرع الجزائري عدة نصوص قانونية من أجل ردع السلوكيات الخاطئة للسائقين خلال قيادة مركباتهم، سيما تناول المخدرات أو أية مادة من شأنها التأثير في ردود أفعال وقدرات السائق خلال السياقة.

ومنح القانون وفق صفحة "طريقي" لضباط وأعوان الشرطة القضائية حق إجراء عملية الكشف عن تناول المخدرات لتوقيف السائقين المتعاطين للمخدرات أثناء السياقة، حتى لا يتسبب في كارثة مرورية وهذا باستخدام جهاز تحليل اللعاب الذي يسمح بالكشف عن وجود مخدرات عن طرق تحليل اللعاب، وهذا طبقا للمادة 19 من القانون 01-14 المعدّل والمتمم.

وتوقف الرائد قريني عند استحدث الدرك الوطني، العام الماضي، خلايا لمطاردة وملاحقة السائقين الذين يقومون بالمناورات الخطرة عبر الطرقات، بهدف توقيفهم واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة ضدهم، نظراً إلى ما يشكلونه من خطر على أنفسهم وباقي مستخدمي الطريق

وتعتمد هذه الخلايا على عناصر المفاجأة والتمويه والديناميكية والسرعة في التدخل، وكذلك المرونة في العمل لوضع حد لمثل هذه التصرفات، وأن كل هذه الإجراءات ترمي إلى التقليل من حوادث المرور والقضاء على هذه التصرفات غير القانونية التي تشكل خطراً على مستعملي الطريق. 

وتعتبر هذه الخلايا كإجراء وقائي استباقي لمنع وقوع الحوادث المرور المميتة التي عرفت منحنى تصاعدياً قياسياً، وجاءت بعد دراسة معمقة ومفصلة ودقيقة حول النقاط السوداء ومحاور الطرق التي تكثر فيها مثل هذه المخالفات من فئة المناورات الخطرة والسرعة المفرطة.

وعلى ضوء هذه المعطيات، يدعو خبراء السلامة المرورية إلى القيام بدراسات ميدانية، من أجل تشخيص الأسباب المرتبطة بالظاهرة، في محاولة الخروج ببعض الحلول التي يتم تكريسها في العمل التحسيسي.

كما حمل خبراء السلامة المرورية مدارس تعليم السياقة جزءا كبيرا من نسبة الحوادث، بالنظر إلى الطريقة غير المدروسة التي يتم من خلالها تقديم رخص السياقة، والتي تعكس افتقار السائق، خاصة من فئة الشباب، إلى القواعد الأساسية في السياقة، سيما ما تعلق منها بقانون المرور الذي لا يجري احترامه في الميدان.

كما دعوا إلى تفعيل عاملي الردع والتحسيس وتشديد العقوبات على السائقين، خاصة في حالة العود، ومضاعفتها في حالة ارتكابها من طرف أصحاب مركبات نقل المسافرين والبضائع.