تركزت صناعة المضامين الدعائية في الحملة الانتخابية للمترشحين الثلاثة، على أسلوب اتصال سياسي قائم على الفيديو القصير والومضات السريعة والـ "ستوري" في الفضاء الافتراضي، التي ترصد اللحظات القوية والمؤثرة، مع تطعيمها بإيقاع موسيقي بمفعول حماسي، بينما اختفت بنسبة كبيرة الصور العملاقة والمطويات والمنشورات، مثلما كان مألوفا في كل المناسبات السابقة، فما هي مظاهر هذا التحول؟.
كانت الانتخابات في الماضي تستهلك أطنانا من الورق والحبر والجهد، في المطابع ووكالات الإشهار والاتصال، حيث يتم نسخ ملايين من المطويات والصور، ثم توزع على القطر الوطني، بمدة صلاحية لا تتجاوز الأسبوعين، لتُرمى بعدها في القمامة أو يتم استعمالها في أغراض أخرى.
بينما اليوم، تدور رحى تنشيط الحملة الانتخابية، في الصورة والخطاب، بشكل أساسي في منصات التواصل الاجتماعي، عبر تركيب فيديوهات قصيرة لا تتجاوز مدتها دقيقة ونصف أو دقيقتين ونشرها قي الصفحة او إدراجها في شكل "ستوري" تدوم 24 ساعة ثم تختفي، وتركز على اللحظات القوية والمؤثرة للمترشحين، مع تطعيمها بإيقاعات موسيقية ذات مفعول حماسي على المتلقين، وحركات كاميرا فنية، تجذب اهتمامهم وفضولهم بالأنشطة.
أين الصورة العملاقة؟
ولوحظ غياب كلي للصورة العملاقة الورقية والصور المتنوعة التي يظهر فيها المترشحون بوضعيات عديدة، مثلما جرت العادة في كل الانتخابات الرئاسية منذ 1999، وعوضها الصورة والمنشورات في الفضاء الافتراضي.
فما هو ملاحظ حاليا، ثلاث صور لثلاثة مترشحين، تقريبا، متداولة في كل الأماكن وفضاءات التنشيط الانتخابي، واحدة يظهر فيها مرشح حركة مجتمع السلم، ورئيسها، عبد العالي حساني شريف، مبتسما، بخلفية خضراء، يبرز فيها نسبيا مقام الشهيد وقبة جامع الجزائر، وشعار حملته الانتخابية "فرصة"، بينما على الصعيد الافتراضي يظهر في كل وضعياته وتفاعلاته مع الجمهور.
كما يظهر المترشح الحر، عبد المجيد تبون، في الصورتين المعتمدتين في حملته الانتخابية، وفق ما ظهر على صفحتها الرسمية، بملامح مشدودة وغير مبتسمة ونظرة ثابتة تؤشر على الصرامة والحزم، مدرجة على خلفية خضراء يبدو فيها بشكل خفيف وجزئي العلم الوطني، غير أنه في الفيديوهات القصيرة، يتم رصد كل حركاته وتعبيراته وملامحه.
وبالنسبة لمرشح جبهة القوى الاشتراكية وأمينها الوطني الأول، يوسف أوشيش، فيظهر في صورة عادية، ومشدود الملامح وتبدو الصورة غير متعرضة للمؤشرات والمحسنات التقنية بشكل كبير، باستثناء الاهتمام بضبط الجانب الضوئي في الصورة من كل جوانبه، مع خلفية زرقاء تارة وبالراية الوطنية واضحة وبارزة في كل المساحة الخلفية تارة أخرى.
وبالنسبة للفيديو او الـ "الستوري" فالأمر مختلف تماما، حيث يتسنى للمتابع رصد كل أجواء وأجزاء الحدث، وأفكار المترشح ولغة الأجساد والملامح في الوقت نفسه.
"ستوريات" وفيديوهات
بالمقابل، تختلف قواعد العمل في خلايا تصميم وتركيب الفيديو القصير، فالقائمون عليها يعكفون على رصد كل لحظات التصريحات المهمة والمفتاحية، أو وضعيات شعبية وجماهيرية لافتة ومعبرة، ويحولونها إلى مقتطفات قوية ومؤثرة، بإضفاء عليها المحسنات الصوتية كالصدى والتكرار والإيقاع الموسيقى، وغيرها من التقنيات التي توفرها أدوات الذكاء الاصطناعي.
وعلى هذا النسق، تنشر صفحة المديرية العامة للمترشح عبد المجيد تبون، مقاطع فيديو قصيرة بشكل منتظم، بعد كل تجمع يقام أو كل خرجه ميدانية، وتركز على الجانب الصوري والتصريحي، من خلال رصد هتافات وتعبيرات المساندين للمترشح أو التوقف عند أشخاص بعينهم ككبار السن أو الفنانين أو الشخصيات المعروفة.
بنفس الأسلوب تعمل صفحة المترشح، عبد العالي حساني شريف، عبر نشر عشرات الـ "ستوريات" التي تضم فيديوهات تظهر المرشح خلال خرجاته الميدانية وأنشطته الجوارية وتجمعاته الشعبية، ودمجها مع الموسيقى ونقلها من محطة إلى أخرى بسرعة وبطريقة فنية. وهو المنهج الذي تعمل عليه حملة المترشح يوسف أوشيش، لكن ليس بنفس الكثافة.
ويعد هذا الأسلوب او المقاربة في ادارة الاتصال السياسي على مستوى الفضاء الافتراضي، تحولا عميقا في نموذج وأسلوب ادارة الحملة الانتخابية، وأداة فاعلة في التأثير على الجمهور وتغيير او تثبيت او تعديل مواقفهم، بعد تبني لسنوات عديدة طريقة الصور العملاقة والـ "تيفو" أحيانا.
وينسجم هذا التحول مع اهتمامات وعادات التلقي الجديدة لدى جمهور وسائل الإعلام التقليدية والحديثة، وهي المسألة التي يتعين إخضاعها للدراسة والتحليل الأكاديميين، لمعرفة مدى تأثيرها ورجع الصدى فيها والفئات العمرية التي تمسها، قياسا بالنماذج السابقة.