38serv

+ -

أخرج الإمام مسلم في صحيحه من حديث المقداد بن الأسود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “تُدنى الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم كمقدار ميل، قال: فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق، فمنهم من يكون إلى كعبيه، ومنهم من يكون إلى ركبتيه، ومنهم من يكون إلى حقويه (خاصرتيه)، ومنهم من يلجمه العرق إلجاما، قال: وأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده إلى فيه”. فالميل يقدر بـ 1848م، والشمس تبعد عن الأرض بحوالي 149 مليون كم، وعلماء الفلك يقولون: لو أن الشمس اقتربت بمقدار يسير لاحترق كل ما على الأرض، ولو ارتفعت قليلا لتجمد كل ما على الأرض.

إن شدة حر الصيف الذي نعيشه تذكرنا بموقفين عظيمين: الأول موقف يوم القيامة، وذلك حين تقترب الشمس من رؤوس الخلائق؛ حيث يكون العرق منهم على قدر أعمالهم، كما مر في حديث المقداد الآنف الذكر. ففي أثناء هذا الموقف الرهيب العصيب هناك فئة من الناس يكونون في ظل عرش الرحمن يوم لا ظل إلا ظله: “سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة ربه، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق فأخفى حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه”، وهناك صنف ثامن إضافة إلى السبعة الذين مرّ ذكرهم، وهم الذين كانوا يُنظِرون المعسر الذي لا يستطيع السداد، أو يسقطون الدَّين عنه: “من أنظر معسرا أو وضع عنه، أظله الله في ظله”، فيا مَن له دَيْن على أخيه المعسر فليسامحه لوجه الله تعالى، أو ليؤخره حتى يوسر، طمعا في أن يكون من الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله. والثاني: أن شدة حر الصيف تذكرنا بشدة حر نار جهنم، فشدة ما نجد من الحر في الصيف هو من نَفَس جهنم، كما أخبر بذلك من لا ينطق عن الهوى: “اشتكت النار إلى ربها فقالت: يا رب أكل بعضي بعضا، فأذن لها بنَفَسين: نفس في الشتاء، ونفس في الصيف، فهو أشد ما تجدون من الحر، وأشد ما تجدون من الزمهرير”، فإذا كانت شدة الحر في الصيف من نفس جهنم، فكيف يكون لهيبها وعذابها، وحال من كانت النار مسكنه ومقامه!

إن نار جهنم ليست كنار الدنيا، فنار الدنيا هي جزء من سبعين جزءا من نار الآخرة: “ناركم جزء من سبعين جزءا من نار جهنم”، قيل: يا رسول الله إن كانت لكافية، قال: “فُضلت عليهن بتسعة وستين جزءا، كلهن مثل حرها”، ونار جهنم ليست كنار الدنيا حمراء، بل هي سوداء قاتمة مظلمة: “تحسبون أن نار جهنم مثل ناركم هذه، لهي أشد سوادا من القار”.

ونحن في شدة الحر نبحث عن الظل الوارف والماء البارد، تُرى ما هو هواء وماء وظل أهل النار؟، الجواب في قوله تعالى: {وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال، في سموم وحميم، وظل من يحموم، لا بارد ولا كريم}، السموم: هواء ساخن يلفح الوجوه، والحميم: ماء شديد الغليان يقطع الأمعاء، {وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم}، واليحموم: دخان أسود حار خانق. وبالمقابل فإن أهل الجنة في نعيم مقيم، لا يضرهم حر ولا قر، فهم في ظل ونعيم دائم لا ينقطع.

وفي شدة هذا الحر علينا الإكثار من الاستعاذة بالله من عذاب النار، يقول أنس: كان أكثر دعاء النبي: “اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار”، ومما يشرع في أيام الحر الشديدة الصيام: “من صام يوما في سبيل الله بعَّد الله وجهه عن النار سبعين خريفا”، وقد كان أصحاب رسول الله يجتهدون في طاعة ربهم في أيام الحر الشديد، وهو ما يعرف بـ«ظمأ الهواجر”.

إمام مسجد عمر بن الخطاب - بن غازي - براقي