38serv

+ -

تفرض التهديدات والمتغيرات الإقليمية على الجيش الوطني الشعبي وضع استراتيجية متكاملة لتعزيز الاستقرار السياسي والأمني وصيانة الأمن الاقتصادي، إلى جانب تكثيف الجهود للتعامل مع البيئة الإقليمية المجاورة التي زادت التهابا وهشاشة وصارت بؤرة تهديد مباشر لبلادنا، بل منطلقا لكافة أنواع الجرائم العابرة للحدود ومصدرا للتآمر على أمننا الداخلي وسلامة مجتمعنا.

بعد اتساع رقعة الالتهاب الحدودي والجواري للبلاد وتنامي الإضرار والتشويش الخارجي الذي طال علاقات الجزائر مع دول المنطقة، ثمة ما يبرر ويدعو إلى رفع درجات اليقظة وتكثيف وسائل الردع حتى لا تدفع الجزائر ضريبة تهور وتعنت جيرانها. فالأوضاع المتأزمة دوليا وإقليميا استشرفتها بلادنا قبل سنوات وأضحت واقعا يوجب سرعة التكيف مع خريطة جديدة طبختها أجندات أجنبية، تفرض على بلادنا التحلي بالدقة البالغة في تسيير تحالفاتها الدولية والإقليمية.

أثبتت الأحداث الدامية في مالي وليبيا والنيجر أن تجاهل الرؤية الجزائرية وجهودها الحثيثة لإقرار ثلاثي السلم والمصالحة والتنمية وتعطيل الخطط الأمنية المشتركة التي بنتها قيادة البلاد طيلة سنوات خلت، سيجعل المنطقة متجهة نحو المجهول. وأمام هذه التطورات، ستكون مؤسسة الجيش مجبرة على مواجهة مباشرة لأي طارئ، خاصة بعد ظهور مؤشرات تنذر بانهيار دول الساحل الإفريقي أمنيا واجتماعيا واقتصاديا بسبب الاقتتال الداخلي والتدخل الأجنبي وانتقال عدوى العمليات العسكرية إلى المدن المتاخمة لبلادنا.

 

تأمين المشاريع الهيكلية الكبرى

 

يتوجب بالتالي مضاعفة الجهد ورفع أقصى درجات اليقظة العسكرية لحماية المنشآت النفطية والغازية الحيوية والموارد المائية الباطنية وتأمين كافة المشاريع الهيكلية الكبرى التي أطلقتها الجزائر مؤخرا كالأراضي النادرة والمشاريع الكبرى، على غرار مشروع غار جبيلات ومشروع السكة الحديدية تندوف – بشار وطريق الجزائر موريتانيا ومشروع إنشاء أكبر مزرعة في العالم لإنتاج الحليب مع القطريين ومشاريع شراكة في الحبوب والمواد الغذائية مع الشركاء الإيطاليين في الجنوب وغيرها.

 

.. جيش قوي لدعم الاستقرار الإقليمي

 

ورغم تنصل القادة الجدد في دول الجوار عن الأطر والاتفاقيات التي بادرت بها الجزائر، إلا أن الجيش جدد التأكيد على بقاء الجزائر عامل استقرار في محيطها الجيو سياسي وذلك بالنظر إلى توجهاتها السلمية وعقيدتها القائمة على حسن الجوار والتعاون والتضامن ونبذ كل أشكال الهيمنة والطغيان والتعدي على سيادة الغير والتدخل في شؤونه الداخلية.

وبالتوازي مع التمسك بهذا النهج، فإن قيادة الأركان جددت التأكيد على الجاهزية في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة ذات المنشأ الإقليمي دون قطع "أواصر التضامن البيني وتطوير قواعد وآليات الأمن المشترك" مثلما أكد عليه قائد الأركان قبل أيام.

وأمام هذا الوضع، يبقى على عاتق المؤسسة العسكرية تفعيل وتجديد المبادرات على الصعيدين الدبلوماسي والعسكري لمساعدة دول الجوار على استعادة استقرارها والحفاظ على وحدتها الشعبية والترابية بالموازاة مع ضمان تدفق المساعدات ذات الطابع الاجتماعي.

 

رهان رفع القدرات في الأسلحة الحساسة

 

ومع تطور التهديدات وتسرب أياد عربية وأجنبية معادية إلى محيط الجزائر، متحكمة في منظومات الأسلحة العصرية كالدرونات والصواريخ الموجهة والدقيقة، تجد مؤسسة الجيش نفسها أمام رهان رفع القدرات القتالية لوحداتها المنتشرة في أقصى الجنوب، لاسيما في المجال الحساس، خاصة أنظمة الرصد والتشويش والإشارة وأنظمة المعلومات والحرب الإلكترونية، بما يسمح بالرد الفوري على أي مساس بأمن الإقليم الوطني.

 

محاصرة الكيانات الإرهابية وتجفيف تمويلها

 

وتفرض المتغيرات الجديدة على الدولة أيضا مواصلة الحرب على الكيانات الإرهابية والحركات الانفصالية المدعومة من الجهات المعادية، التي اشتغلت على استغلال أطياف من المجتمع لضرب أمن البلاد ووحدتها الترابية وزعزعة أركان الدولة، وبالتالي يبقى أمام أجهزة الأمن تفعيل الرصد والمتابعة وتعقب المنظمات الإرهابية في مجال استغلال شبكة الأنترنت لجمع الأموال وبث مخططاتها التخريبية على شبكات التواصل الاجتماعي.

 

معركة المخدرات والمهلوسات

 

تحديات أخرى رفعها الجيش الوطني الشعبي وهي توحيد الجهد الوطني من أجل مواجهة إحدى أكبر الظواهر التي تهدد القوى الحية في المجتمع، ويتعلق الأمر بتهريب المهلوسات بكل أنواعها. فقد كشفت قيادة الجيش في عدة مناسبات أن الجزائر مستهدفة من قوى معادية تعمل بكل ما أوتيت من إمكانيات لإغراق البلاد بكافة أنواع المخدرات والمهلوسات من أجل الإضرار بالصحة الجسدية والنفسية للقوى الحية للأمة، المتمثلة في شبابها، ومحاولة إحباط معنوياتهم ودفعهم إلى الإدمان والجريمة.

خطورة هذا الملف دفعت بقيادة الجيش إلى رفع أقصى درجات التنبيه إلى المنحى التصاعدي المريب والخطير، الذي ما فتئت تأخذه في الآونة الأخيرة ظاهرة تهريب المهلوسات بكل أنواعها إلى بلادنا. وتؤشر على تلك المخاطر الإحصائيات المسجلة من قبل المصالح الأمنية المختلفة، بحجز كميات ضخمة جدا من هذه السموم.

وبشأن هذه التطورات الخطيرة فقد تعهدت القيادة بوضع قوات الجيش بالمرصاد لكل من يقفون وراء هذه الآفة الخطيرة، خاصة عدم التساهل أو التسامح مع باروناتها والتصدي لمن يقف وراءها أو يمولها أو يدعمها والبقاء على استعداد دائم للتصدي لها من خلال تعزيز تشكيلاتنا العسكرية والأمنية على طول حدودنا.

 

مواجهة الحروب الجديدة

 

ومن الأدوار الحساسة التي يضطلع بها الجيش بكل مكوناته التصدي لكافة أشكال الحروب الجديدة والاستراتيجيات التي تستغل منصات التواصل الاجتماعي كأدوات لصناعة عدم الاستقرار ونشر المعلومات المضللة. فمن خلال التوجيهات الجديدة لقيادة الأركان والرئاسة، سيكون أمام الجهات المختصة العسكرية والمدنية استغلال الوسائل والقدرات العسكرية وتعبئة كافة القدرات الوطنية من أجل تبني أساليب مجابهة جديدة لهذه المخاطر.

فقد كشفت وزارة الدفاع الوطني عن زيادة اهتمامها بالحروب الجديدة وأجيالها، مبرزة الأدوار الجديدة للجيش في مجال الأمن الهوياتي والأمن المجتمعي والأمن السيبراني.

وقد سبق أن تلقت كافة النواحي والقوات تحذيرات سامية من الحروب الجديدة التي يعرفها عالم اليوم، أو ما يصطلح عليها بـ"الحروب الهجينة". فقد أولى قائد الأركان أهمية بالغة لـ"سلاح" الإعلام بكل وسائطه، خاصة منصات التواصل الاجتماعي، مبينا أنه تحول إلى "أدوات ووسائل أساسية في استراتيجيات صناعة عدم الاستقرار"، وعلى ضوء هذه التحذيرات فإن جميع الأجهزة مطالبة بالتكيف مع متطلبات العصر والحضور بقوة في العالم الافتراضي.

 

حماية وتأمين الطموحات الاقتصادية

 

في الآونة الأخيرة أولت قيادة الجيش أهمية بالغة للشق الاقتصادي والتنموي وظل هذا الموضوع حاضرا في افتتاحية مجلة "الجيش" التي دأبت على ضرورة حماية ومرافقة طموح بلادنا لتعزيز مكانتنا الاقتصادية وتوفير البيئة المناسبة للاستثمار المحلي والأجنبي وإنجاح الحركية التي تعيشها مختلف قطاعات النشاط الاقتصادي، سواء تعلق الأمر بقطاع الصناعة أو الطاقة والمناجم أو المؤسسات الناشئة وغيرها.

وقد أخذ الجيش على عاتقه مواكبة التزام الرئيس تبون بتطوير الاقتصاد أكثر فأكثر، وبلوغ الأهداف المسطرة لاحتلال مراكز متقدمة قاريا ودوليا وضمان مستقبل اقتصادي يضمن العيش الكريم للجزائريين.

 

.. امتحان التسيير

 

وللتحكم أكثر في المجالات الحساسة سيكون إطارات الجيش أمام امتحان حقيقي في الفترة القادمة، بعدما وقع الرئيس عبد المجيد تبون مؤخرا مرسوما رئاسيا يفتح من خلاله المجال للضباط العمداء والضباط السامين لشغل بعض الوظائف العليا في الدولة ضمن القطاعات الإستراتيجية والحساسة من حيث السيادة والمصالح الحيوية للبلاد.