"مياه ميتة" تسوق على أنها معدنية !

+ -

يُمثّل الماء شريان الحياة الذي لايمكن الاستغناء عنه مُطلقًا، وقياسا لهذه الأهمية فقد تسابق المستثمرون خاصة في السنوات الأخيرة على إنشاء وحدات تقدم الماء للمستهلكين عبر عبوات بلاستيكية مختلفة الحجم والشكل، تخضع لمواصفات قانونية أقرتها منظمات عالمية وإقليمية، لكنّ الماء الذي يُعطي الصحة للإنسان، قد يكون ضارًا به إذا تم تجاهل الشروطالصحية التي ينبغي الالتزام بها في إنتاجه ونقله وتوزيعه، لا سيما تعريضه المباشر لأشعة الشمس، خصوصا خلال عملية عرضه أمام المحلات التجارية ونقله في المركبات، حيث يتسبب ذلك في تفاعلات تنتج عنها مواد ضارة تكون عاملا مسببا في الإصابة بالتسممات الغذائية والأمراض المعوية.

موسم الصيف، تزداد فيه نسبة تناول المشروبات بأنواعها التي تعرض بالمحلات، حيث تجاوزت الكمية المتناولة من قبل الجزائريين الـ 07 ملايير لتر سنويا، غير أن أصحاب هذه المحلات، جهلا منهم أو استهتارا بحياة المستهلك، يعمدون إلى عرض قارورات المياه المعدنية والعصائر مباشرة لأشعة الشمس، وهذا ما حذّر منه المختصون، إذ أن تعريض القوارير البلاستيكية للشمس لفترة طويلة قد يؤدي بحياة المستهلك إلى الخطر والإصابة بأمراض مع مرور الوقت.

كما أن شاحنات نقل المياه المعدنية أصبحت لا تحترم أدنى شروط النقل والمعايير الصحية أو تغطية المياه بغطاء واق من أشعة الشمس أو النقل أثناء الليل، حيث يتم تعريضها لأشعة الشمس وإبقاؤها لفترة طويلة تحت درجات حرارة تتجاوز تلك المنصوص عليها في الوسم، ما يهدد صحة المستهلك بعد أن يتحول الماء إلى "سم قاتل" في غياب أدنى شروط النقل الصحي والسليم للمياه المعدنية.

واللافت أن الدراسات التي أنجزت في هذا الإطار من قبل خبراء تابعين لمنظمة الصحة العالمية العام المنصرم، خلصت إلى أن القيمة الصحية للمياه المعدنية تكاد تكون معدومة، وأشارت إلى أن المياه المعدنية المعبأة تفقد الكثير من خصائصها الكيميائية جراء عمليات التصنيع، فضلا عن تأثير القنينات التي تعبأ فيها خصوصا البلاستيكية، التي تشكل بدورها تأثيرا مباشرا على الماء المعدني، ووصف الخبراء المياه المعدنية المعبأة في القنينات بـ "مياه ميتة" لا قيمة غذائية ولا صحية لها.

بل قد تسبب بعض أمراض السرطان، يرجعها الخبراء إلى أسباب عدة، منها شروط النقل والتخزين، وإلى التفاعلات التي تقع بين مكونات البلاستيك المستعمل في صناعة القنينات وبين مكونات المياه المعدنية التي تعبأ داخلها، فضلا عن ذلك، فإن نسب ومعدلات المعادن المكونة للمياه المعبأة، والتي تتم الإشارة إليها على شارات العنونة، تبقى نسبية ولا تعبر حقيقة عن المعدلات الحقيقية للمعادن المكونة للمياه التي تعبأ.

ورغم ترسانة القوانين والتعليمات المتعلقة بحماية المستهلك من كافة أنواع التسممات والأمراض التي تصيبه جراء تناوله مشروبات معرضة لأشعة الشمس، إلا أنه يداس عليها ولا تطبق على أرض الواقع، ولا يجد ناقلو المياه المعدنية أي حرج في تحويلها من ولاية إلى أخرى، وتحت درجات حرارة عالية، دون تغطيتها، حيث يجتازون جميع الحواجز الأمنية "نهارا"، من دون مراقبتها أو التحقق من مدى مطابقتها لسلسلة التبريد، في غياب سياسة واضحة لإحكام السيطرة على أصحابها وتضييق الخناق على المخالفين.

فأغلبية أصحاب شاحنات نقل وتوزيع المياه المعدنية، الذين تضاعف عددهم في الفترة الأخيرة، بعد أن تحول نقل المياه المعدنية إلى تجارة مربحة كونها تترأس قائمة المواد الأكثر تسويقا في فصل الصيف، لا يحترمون قوانين وشروط سلسلة التبريد، ويخالفون أدنى شروط التخزين والنقل، والذي يتم في ظروف مخالفة تماما لشروط الصحة والسلامة.

مديرية التجارة تواجه الظاهرة بالتحسيس وتطبيق القانون

لمعرفة رأي مديريات التجارة حول هذه الظاهرة سألنا حوحو شوقي رئيس مصلحة حماية المستهلك وقمع الغش بمديرية التجارة ببسكرة،الذي أكد أن ظاهرة عرض المواد الغذائية خاصة المشروبات منطرف بعض التجار موجودة، ونلاحظها بشكل لافت خلال فترة الصيف وارتفاع درجات الحرارة،لذلك فإن مصالحه سطرت برنامجا بشقيه الرقابي والتحسيسي لحث جميع التجار على عدم عرض مختلف المواد الغذائية خارج محلاتهم، وهذا حفاظا علىسلامة وصحة المستهلك.

وفي السياق فقد لوحظ استجابة الكثير من التجار لهذه التعليمات، حيث تم التذكير بضرورة الاستجابة تنفيذا للقانون المتعلق بحماية المستهلك وقمع الغش، واحترام شروط الحفظ والتخزين وتنفيذا للقرار الولائي رقم 519 المؤرخ في 5 مارس 2023 المتضمن منع عرض السلع خارج المحلات التجارية وعلى الأرصفة والشوارع عبر إقليم الولاية.

وحسبه أن هذا القرار يعرض كل مخالف إلى الغلق لمدة 10 أيام وفي حالة العود ترفع العقوبة إلى 30 يوما، وكشف أن مصالح التجارة ببسكرةعلى سبيل المثال سجلت منذ الفاتح جوان وإلى غاية النصف الأول من شهر جويلية 744 تدخلا على مستوى محلات المواد الغذائية، سجل من خلالها 8 مخالفات مع اقتراح غلق 4 حالات.

وختم شوقي حوحو كلامه بالتأكيد على أن الظاهرة غير صحية تستدعي اليقظة من المستهلك وذلك بامتناعه عن شراء هذه المواد الموضوعة في ظروف غير صحية لا تحترم فيها شروط الحفظ والتخزين، ومديرية التجارة تتابع هذه الظاهرة بحرص وحزم للحد منها ومحاربتها.

الدكتور أمحمد كواش: الشمس تغير تركيبة الماء وتفقده قيمته الغذائية

نبه دكتور الصحة العمومية أمحمد كواش في حديثه لـ "الخبر" إلى خطورة عرض المياه المعدنية أمام المحلات والمطاعم تحت أشعة الشمس الحارقة، مذكرا بحاجة المواطن للمياه التي يقبل عليها بشكل لافت تزامنا وفصل الصيف، الذي يتميز بالحرارة الشديدة ويحتاج إلى كمية كبيرة جدا لضمان استقرار حرارة جسمه، لأنه يفقد كمية كبيرة من الماء بفعل الحرارة الشديدة والتعرق.

وأكدأمحمد كواش أن المياه المعدنية مهمة جدا لصحة الإنسان، وحالةالتعرق التي يزداد حدوثها صيفا بخلاف الشتاء، تتسبب في فقدان الإنسان للماء والأملاح المعدنية، وبالتالي فهو يحتاج للأملاح المعدنية الضرورية في جسم الإنسان، ليكسب الطاقة التي تحسن وظائف الجسم.

وبفعل الظروف المناخية والطبيعية فإن مصادر الماء أصبحت قليلة والمواطن يتنقل في كل مكان وحين ويحتاج إلى شرب الماء، ومصادر المياه أصبحت موجودة عن طريق القارورات المعبأة المنتشرة في كل الأماكن، حتى المحلات الصغيرة والمواد الغذائية والمطاعم كلها تبيع الماء، وذكر دكتور الصحة العمومية بأهمية استهلاك المياه بجميع أنواعها، وعدم اقتناء نوع واحد على اعتبار أن كل نوع له تركيبة أملاح معدنية تختلف عن الآخر.

وللأسف، يضيف محدثنا، فإن ظاهرة عرض المياه أمام المحلات والمطاعم تحت أشعة الشمس ورغم أنها يمكن أن تباع باردة، إلا أنها تبقى لساعات طويلة جدا في العراء وأغلبية المياه تجدها مكدسة أمام المحلات والمطاعم،والأكبر منذلك فإن ظروف نقلها في الشاحنات مفتوحة تحت أشعةالشمس وهذا خطير جدا.

وتحدث الدكتور أمحمد كواش على تأثيرأشعةالشمس على الماء، فالارتفاع المعتبر لدرجات الحرارة يغير من تركيبة الماءفيزيولوجيا ويصبح غير صحي ويفقد قيمته الغذائية عندما يتعرض لأشعة الشمس، والأخطر من ذلك فالأمر مرتبط بالتفاعلات الكيمائية الناجمة عن البلاستيك الذي يوضع فيه الماء، فالقارورات البلاستيكية تتأثر بموجة الحر، وهذه الحرارة تساهم في التفاعلات الكيميائية وتحول الماء إلى مادة مسرطنة،فيتعفن ويصبح غير صحي ويكونمصدرا لتسممات غذائية خطيرة جدا.

لذا على المواطن التفطن وتجنباقتناء مياه من محلات تعرضها في هكذا ظروف، وعلى مصالح الأمنمراقبة المركبات التي تنقل هذه المياه في ظروف غير صحية لمسافات طويلة عرضة للشمس.

من جانب آخر نصح الدكتور أمحمد كواش عدم تخزين المياه في القارورات البلاستيكية لعدة مرات، بحكم أنه يصعب تنظيفها، وتجمع الماءينجم عنه وجود فطريات مجهرية تتشكل على السطح الداخلي للقارورة والعلب البلاستيكية، وهذا ما يؤدي إلى حدوث مشاكل صحية وهضمية خطيرة جدا، تظهر تداعياتها إلا بعد فترة معينة، وهذا نلاحظه عندما نخزن الماء في أواني بلاستيكية فيالمنزل، وعند غسلها نلاحظ أن الطبقة الداخلية أصبحت لزجة عبارة عن طفيليات أو طحالب تؤدي إلى تسممات غذائية،وأمراض خطيرة جدا، لذلك ينصح وضع الماء وتخزينه في القارورات الزجاجية، ويتم تنظيفها بشكل دوري بالماء والجافيل والغاسول.