+ -

تميّز حضور الرئيس عبد المجيد تبون، بصفته ضيف الشرف، في قمة مجموعة السبع لكبار المصنّعين في العالم بمدينة باري الايطالية بين يومي الخميس والسبت الماضيين، بنشاط مكثف أجرى خلاله لقاءات ومحادثات مع عدد من قادة رؤساء الدول الكبرى ودول صديقة وشقيقة ومسؤولين بمنظمات دولية وإقليمية وقارية.

خلال القمة التي ضمت كلا من الولايات المتحدة الأمريكية، بريطانيا، فرنسا ، اليابان، ألمانيا، إيطاليا وكندا، التقى تبون مع رئيسة مجلس وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني، وذلك بقلعة بورجو إغناسيا التي احتضنت الفعالية، وهو اللقاء الذي توّج بتوقيع اتفاق استراتيجي تجسّده شراكة جزائرية إيطالية لإنجاز مشروع ضخم بولاية تيميمون باسم مؤسسة ماتيي إفريقيا يمتد من 2024 إلى 2028 لإنتاج الحبوب والبقوليات وكذا الصناعات الغذائية .

وضمن النشاط الرفيع للرئيس تبون، استقبل بمقر إقامته بباري، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وبحثا عدة ملفات تهم الجانبين، وبعدها التقى بمقر إقامته رئيس جمهورية كينيا وليام روتو الذي تباحث معه ملفات تعزيز التعاون الثنائي ومسائل تهم مصالح القارة الإفريقية.

وقبل انطلاق القمة التي ناقشت العديد من المواضيع والملفات، منها الوضع في قطاع غزة بفلسطين وكذا ملفات الهجرة ومسائل التنمية في إفريقيا، إلى جانب التغيّر المناخي والذكاء الاصطناعي، تحادث رئيس الجمهورية مع قادة كبرى دول العالم.

وعلى هامش مشاركته في قمة مجموعة السبع لكبار المصنعين في العالم، استقبل تبون أيضا نظيره الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، كما كان للرئيس لقاء مع رئيس المجلس الأوروبي، شارل ميشال، إضافة إلى لقاء خصّ به رئيس الحكومة التونسية أحمد الحشاني.

وحرص الرئيس على إعلاء صوت البلدان المستضعفة وتلك التي ترزح تحت نير وطغيان الاستعمار، رافعة رايتها ومدافعة عنها في المحافل والمنابر الدولية.

وفي ختام المشاركة التي دامت ثلاثة أيام، أشارت وكالة الأنباء الجزائرية، أن الحضور المميز للرئيس تبون يعكس "المكانة التي أصبحت تحظى بها الجزائر ضمن ساحة الكبار في العالم، بفضل السياسة الدبلوماسية التي رسم رئيس الجمهورية معالمها منذ توليه قيادة البلاد والمبادئ التي تتبناها هذه السياسة في البروز كفاعل قوي في حل الأزمات والجهود المضنية في سبيل بسط السلم والأمن الدوليين"، ولا سيما فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية والصراعات في القارة الأفريقية وعلى رأسها قضية تصفية الاستعمار في الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية المحتلة من طرف المملكة المغربية.

وأبرزت الوكالة بأن الدعوة التي وجّهت للجزائر"جاءت من منطلق عودة الجزائر في الساحة الدولية عبر سياسة دبلوماسية متّزنة وواقعية، إلى جانب وزنها الإقليمي والديناميكية الكبيرة التي سجلتها منذ بداية عضويتها غير الدائمة في مجلس الأمن الأممي استقطبت أنظار العالم".

  

لقاء مع بن زايد.. والرئيس تبّون يخطف الأنظار

 

وسط أزمة صامتة بين الجزائر وأبوظبي، التقى الرئيس تبون ونظيره الإماراتي الشيخ محمد بن زايد، لأول مرة من دون ترتيب مسبق على هامش اجتماع قمة السبع، في خطوة قسمت الآراء بين من اعتبرها لقاء العتاب وبين من راى فيها مؤشرا إيجابيا لمرحلة جديدة تبدأ بتهدئة التوتر في العلاقات بين البلدين.

وظهر في الفيديوهات المتداولة، الرئيس تبون جالسا في طاولة الاجتماعات عندما قدم إليه الرئيس الإماراتي مبادرا بالمصافحة، فبادله الرئيس تبون التحية، وتبع ذلك حديث ثان بين الرجلين وقوفا على هامش الاستعداد لأخذ صورة تذكارية جماعية للقادة الحاضرين في اجتماع مجموعة السبع، تخللته ابتسامات وتعابير جسدية، أبرزها مشهد الرئيس تبون وهو يضع إصبعه على صدر بن زايد، ما أثار إعجاب الجزائريين الذين رأوا في ذلك تبليغا رسميا للعتاب الجزائري مما ينسب للإمارات من أفعال تضر باستقرار الجزائر والمنطقة.

وقد أثارت المشاهد قراءات وتعليقات متباينة بين من اعتبر أن فيها عتبا ورفع عتب، وبين من أشار إلى إزالة الحواجز التي ترسّبت مند وصول الرئيس تبون إلى الحكم بين قيادتي البلدين في خطوة من الممكن أن تخفف من حدة الفتور والتوتر الذي يطبع العلاقات بين البلدين.

ويأتي هذا التطور، في وقت تشهد العلاقات بين البلدين أسوأ حالاتها منذ أشهر طويلة، حيث تبدي الجزائر قلقا كبيرا من الدور الإماراتي في المنطقة وقيادتها لمشروع التطبيق الذي تعتبره تهديدا مباشرا لها، وهو ما انعكس في حملات سياسية وإعلامية مركّزة تحذّر من التدخلات الإماراتية في بلدان مجاورة للجزائر التي تعتبر ذلك محاولات للتأثير سلبيا على أمنها واستقرارها.

وساءت العلاقات بين الجزائر وأبوظبي منذ عام 2020، عندما أدلى الرئيس تبون بتصريح مثير للجدل خلال حوار تلفزيوني وصف فيه اتفاقات التطبيع الثلاثي بين الإمارات والمغرب والبحرين مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، بأنه "هرولة".

وفي جانفي الماضي، عقد المجلس الأعلى للأمن، اجتماعا وعبّر في بيان رسمي عن "أسفه للتصرفات العدائية المسجلة ضد الجزائر من طرف بلد عربي شقيق"، قيل وقتها عبر قراءات إعلامية، إنها إشارة ضمنية للإمارات ووجّه حينها "آخر إنذار لهذا البلد بهذا الشأن".

وتلا ذلك في مارس الماضي، اتهام صريح من قبل الرئيس تبون لحكام أبو ظبي بإشعال نار الفتنة في جوار الجزائر ومحيطها، قائلا: "في كل الأماكن التي فيها تناحر، دائما مال هذه الدولة موجود. في الجوار، مالي وليبيا والسودان. نحن لا نكّن عداوة لأحد، لأننا محتاجين إلى الله عز وجل وإلى الجزائري والجزائرية. نتمنى أن نعيش سلميا مع الجميع ومن يتبلى علينا، فإن للصبر حدود".

وأضاف تبون: "لا زلنا لم نمض بكلام فيه عنف مع هؤلاء الناس، نعتبرهم أشقاء ونطلب لهم الهداية، لأن تصرفاتهم ليست منطقية. يبدو لي أنه قد أخذتهم العزة بالإثم.. يقولون كيف لهؤلاء (الجزائر) لم يتنازلوا. الجزائر لن تركع، ليتهم يأخذون العبرة من الدول العظمى التي تحترمنا كثيرا ونحترمها وقرارنا محترم عندها. إذا أردت أن تفرض تصرفاتك التي تطبّقها على أناس آخرين علينا، فأنت مخطئ كثيرا، نحن 5 ملايين و630 ألف شهيد ماتوا على هذه البلاد واقترب إذا شئت."

ومن المبكر معرفة تأثير لقاء الرئيس بنظيره الإماراتي على مستقبل العلاقات الثنائية بين البلدين، لكنه قد يمثّل نقطة تحول لصالح وقف المناكفة السياسية والإعلامية في المرحلة الأولى، على أن يفتح ذلك الباب على تفاهمات لاحقة حول القضايا والنقاط الخلافية بين البلدين.

فالجزائر تعتبر أن الأزمة مع أبوظبي تخصّ أمنها القومي مباشرة، وحلّ هذه المسائل يتطلب حوارا مكثّفا ويحتاج إلى وقت.

 

تبون وماكرون.. ملفات هامة

 

وكان اللقاء الذي جمع الرئيسان الجزائري والفرنسي عبد المجيد تبون وايمانويل ماكرون، على هامش قمة مجموعة الدول الصناعية السبع بإيطاليا، الأسبوع الماضي، فرصة لمناقشة عديد القضايا، منها ملف الذاكرة الشائك.

وظهر تبون وماكرون يسيران جنبا إلى جنب يتبادلان الأحاديث والابتسامات حتى وصلا إلى قاعة الاجتماعات، حيث أجريا محادثات ثنائية وفق الصور التي بثتها رئاسة الجمهورية.

وفيما اكتفى الجانب الجزائري ببث صور اللقاء الثنائي، ذكرت الرئاسة الفرنسية، في بيان لها، عقب اللقاء، أن الرئيسين ناقشا الشراكة المتجددة بين فرنسا والجزائر وكيفية مواصلة تعميق تنفيذ إعلان الجزائر الموقّع بمناسبة زيارة ماكرون إلى الجزائر في أوت 2022. ونص الإعلان المذكور الذي جاء بعد أزمة عميقة بين البلدين، على إنشاء "مجلس أعلى للتعاون" على مستوى الرئيسين، مهمته "تقديم التوجيهات الكبرى حول المحاور الأساسية للتعاون" يجتمع كل عامين في باريس وفي الجزائر بالتناوب.

وأقر الاجتماع استحداث آلية للتشاور الأمني "كلما دعت الضرورة" يشرف عليها رئيسي أركان البلدين وقائدي المخابرات.

ورحب الرئيسان وفق الإليزي بالتقدم الذي أحرزته اللجنة المشتركة التي عقدت الشهر الماضي اجتماعها الخامس بالجزائر العاصمة، في إشارة إلى التعاون في مجال الأرشيف والتبادل العلمي والتقني والمهني والتكوين والرقمنة وتبادل المعارف. ومعلوم أن الدورة الأخيرة شهدت رفع الجانب الجزائري طلبا لتحكيم ماكرون في وجه تخلف مؤسسات فرنسية في التفاعل مع مطالبها، وخصوصا ما تعلق باسترجاع ممتلكات وأرشيف الجزائر. ووفق البيان الذي توّج اجتماع لجنة الذاكرة، سلّم الوفد الجزائري قائمة مفتوحة لهذه الممتلكات"ذات الدلالات الرمزية والمحفوظة في مختلف المؤسسات الفرنسية والمقترحة للاسترجاع والتسليم بصفة رمزية للجزائر"، داعية الطرف الفرنسي إلى "رفع انشغالاتهم حول استرجاع الممتلكات الثقافية والأرشيفية وغيرها في القائمة المرفقة إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والتي وافقت عليها اللجنة الفرنسية بالإجماع والتزمت بتقديمها إلى الرئيس الفرنسي من أجل عودة هذه الممتلكات إلى بلدها الأصلي في أقرب وقت ممكن".

وعلى قائمة الملفات التي تم مناقشتها في الاجتماع بين تبون وماكرون قضايا إقليمية عديدة، حيث أبديا ارتياحهما وفق البيان للتنسيق الممتاز في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في هذا الصدد. وأكدا مجددا الحاجة للتوصل إلى وقف فوري ودائم لإطلاق النار في غزة وتوصيل كميات كبيرة من المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، وفقا للقرار 2725 الذي يمثّل دعم مجلس الأمن للخطة التي قدمها الرئيس بايدن. وتم الاتفاق بهذا الخصوص على مواصلة العمل المشترك من أجل تحقيق مبدأ حل الدولتين، وعرّج النقاش أيضا على الوضع في ليبيا ومنطقة الساحل، لا سيما في مجال مكافحة الإرهاب.