شارك وزير الطاقة والمناجم، محمد عرقاب، اليوم الجمعة، بمدينة سورينتو الإيطالية، مرفوقا بالرئيس المدير العام لشركة سوناطراك، رشيد حشيشي، والرئيس المدير العام لشركة سونلغاز، مراد عجال، وإطارات من الوزارة، في أعمال الطبعة الثالثة من المنتدى الدولي "نحو الجنوب: الاستراتيجية الأوروبية من أجل حقبة جيوسياسية واقتصادية وسوسيو ثقافية جديدة في منطقة المتوسط".
وفي كلمته التي ألقاها بالمناسبة، أفاد الوزير أن المنتدى فرصة لتبادل الأفكار حول المسائل الأساسية المتعلقة بمختلف الجوانب المرتبطة بالطاقة والتغير المناخي والتطورات المستقبلية في المجال الطاقويي والتحاور خلال المنتدى، سيساعد على توسيع الفهم واستكشاف السبل الجديدة الأكثر فعالية، للتعاون الإقليمي والدولي، خاصة وأنه ينعقد في وقت متميز وحاسم، كون الساحة الطاقوية المتوسطية والعالمية تعرف تغيرات جوهرية سواء على الأصعدة الاقتصادية والتكنولوجية أو الجيوسياسية.
وأكد الوزير أن الحكومة الجزائرية، قد بذلت جهودا كبيرة لتطوير النشاط الاقتصادي للبلاد تهدف من خلالها إلى تحفيز الاستثمار والنمو وخلق فرص العمل، فقد قامت الحكومة بإصلاحات اقتصادية وتنظيمية عميقة، واستثمرت في البنية التحتية، وشجعت الابتكار ودعمت الشركات الصغيرة والناشئة، وقد مكّنت هذه المبادرات من تبسيط الإجراءات الإدارية، وتحسين الأطر القانونية، وتخفيض الضرائب، وتشجيع الاستثمار الأجنبي، وتطوير الرقمنة، و كذا تسهيل الحصول على التمويل والوصول إلى الأسواق الخارجية، كل هذه الإجراءات تأكد دعم و إصرار الجزائر على أن تكون وجهة جذابة للاستثمار .
وسلط الوزير الضوء على الاستراتيجية الطموحة التي وضعتها الجزائر في مجال الطاقة، بهدف زيادة إنتاج الطاقة الأولية، لا سيما الغاز الطبيعي، مع ضمان إمدادات مستدامة على المدى الطويل من خلال الحد من التأثير على النظم الإيكولوجية، ومن خلال الجمع بين إنتاج الطاقة التقليدية وتطوير الطاقات المتجددة، والتي تهدف من خلالها البلاد، إلى مواجهة التحديات البيئية مع ضمان أمن الطاقة على المدى الطويل، وفي هذا السياق، قامت الجزائر بزيادة إنتاجها من الغاز الطبيعي، استجابةً لطلبات الحصول على كميات إضافية من الغاز من مختلف الدول الأوروبية، وقد أخذت الجزائر على عاتقها التزامًا كبيرًا بتحقيق نسبة 30% من الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة الوطني بحلول عام 2035. وتستند هذه الخطة إلى تجسيد البرنامج الوطني للطاقة المتجددة، الذي يهدف إلى تحقيق قدرة إنتاجية تبلغ 15,000 ميغاواط، منها 3,000 ميغاواط تم الشروع في إنجازها .
من جهة أخرى أكد الوزير حرص الجزائر على المشاركة بنشاط في المبادرات الدولية للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وانبعاثات الميثان، وكجزء من هذه المبادرات، دخلت البلاد في شراكات مع الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي لتحسين تقنيات القياس والحد من الانبعاثات الناجمة عن الأنشطة الغازية والبترولية.
كما أكد عزم الجزائر، بأن تصبح ممونا رئيسياً في مجال الهيدروجين، لاستحواذها الكثير من القدرات والمزايا تؤهلها أن تكون رائدا في هذا المجال، مثل الطاقة الشمسية، وشبكة الكهرباء الواسعة، وشبكة نقل الغاز، واحتياطاتها الكبيرة من المياه، بالإضافة لخبرة موردها البشري في المجال الطاقوي، ومن هذا المنطلق، يتم حاليا وضع اللمسات الأخيرة على نموذج طاقوي وطني، حيث ستمكن دراسة نتائج هذا النموذج الطاقوي من وضع خارطة طريق على المدى البعيد من أهدافها ضمان الأمن الطاقوي، من خلال تحديد المقاربة الأنسب للانتقال الطاقوي المستدام، الذي يأخذ بعين الاعتبار كل القدرات الطبيعية والبنى التحتية، بالإضافة إلى تحديد إجراءات الفعالية الطاقوية، بما في ذلك الحلول المبتكرة الجديدة التي من شأنها أن تساهم في ترشيد الطلب الوطني على الطاقة وتخفيض وتيرته المتسارعة.
وعلى الصعيد الإقليمي نوه الوزير إلى عزم الجزائر بناء شراكة إقليمية متينة وفعالة، فموقعها الجغرافي المتميز وبنيتها التحتية الحديثة ومواردها الهائلة كلها مزايا رئيسية تجعل منها شريكاً أساسياً في المنطقة، يؤهلها أن تصبح مركزاً رئيسياً للطاقة في المنطقة ومحورا للتبادل الطاقوي بفضل عدد من المشاريع خاصة الربط الكهربائي والممر الجنوبي للهيدروجين بين الجزائر أوروبا، الذي سيكون حافزاً للتحول الطاقوي ودعما الازدهار المشترك في منطقة البحر المتوسط وأوروبا.
كما تطرق الوزير بالمناسبة إلى أحد المشاريع الرائدة في الجزائر وهو تطوير الربط البيني الوطني لشبكة الكهرباء الشمالية مع شبكة الجنوب، باستثمار يقارب 3 مليارات دولار، ويكتسي هذا المشروع أهمية حيوية للبلد والمنطقة، كونه سيؤدي إلى تعزيز تكامل الطاقة خاصة المتجددة من خلال تحسين إمدادات الكهرباء المحلية بشكل كبير، كما أنه سيفتح آفاقًا جديدة لتصدير الكهرباء النظيفة إلى أوروبا، مع تمكين جيراننا الأفارقة من التزود بها وانطلاقاً من روح التضامن والتعاون الإقليمي، فإن الجزائر على استعداد لتسهيل مرور الكهرباء من البلدان الواقعة على الشاطئ الشمالي للبحر الأبيض المتوسط إلى البلدان الأفريقية، حيث ستمكن هذه المبادرة من تزويد البلدان الأفريقية بالكهرباء النظيفة والموثوقة، وبالتالي المساهمة في تنميتها الاقتصادية والاجتماعية.
ومن جانب آخر، أكد الوزير أن الجزائر تعمل بحزم على تعزيز مشروع خط أنابيب الغاز العابر للصحراء الذي سيربط نيجيريا بساحل البحر الأبيض المتوسط، مروراً بالجزائر والنيجر، ومن خلال الربط مع شبكة الغاز الجزائرية، سيساهم هذا المشروع مساهمة كبيرة في إمدادات الغاز الطبيعي لأوروبا، وبالتالي تعزيز أمن الطاقة في الساحل الشمالي للبحر الأبيض المتوسط، وسيدعم المشروع أيضاً التنمية الاجتماعية والاقتصادية لبلدان العبور، كما ستشارك الجزائر في حوار استراتيجي مع شركائها الأوروبيين بشأن إنشاء الممر الجنوبي H2. والذي يهدف إلى نقل الهيدروجين المتجدد المنتج في الجزائر إلى ألمانيا عبر تونس وإيطاليا والنمسا، وسيتطلب تحقيق هذا المشروع الضخم إقامة شراكات متينة بين القطاعين العام والخاص، حيث سيتيح هذا التعاون حشد الاستثمارات الضخمة المطلوبة بالشراكة لتطوير البنى التحتية لإنتاج الهيدروجين وتخزينه ونقله.
وفي الختام أشاد الوزير بأهمية التعاون القائم على مبادئ المصلحة المشتركة بين البلدان الواقعة على ضفتي البحر الأبيض المتوسط، الذي يهدف إلى تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة، مؤكدا دعم الجزائر لجميع الإجراءات التي تهدف إلى التصدي للتحديات العالمية مثل تغير المناخ وأمن الطاقة، وكذلك الجهود المبذولة في إفريقيا لضمان الحصول على الطاقة وتلبية احتياجات ساكناتها.