انكشاف سياسي لدول "التطبيع".. لا موقف لا حقوق

38serv

+ -

نسفت الأحداث والتطورات الأخيرة بشكل كامل مبررات سياسية كانت تسوقها دول التطبيع لتبرير خيارها في التوقيع على "اتفاقات ابراهام" وإقامة علاقات دبلوماسية ومتعددة الأبعاد السياسية والأمنية والاقتصادية مع الكيان الصهيوني، ووضعت هذه الدول في ما بعد خط تسلل سياسي واضح.

في سبتمبر 2020، وقعت الإمارات والبحرين وتبعهما المغرب بعد فترة قصيرة على اتفاق "ابراهام" لتطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني، وبررت هذه الأخيرة خيارها بأنه سيقدم خدمة كبيرة للقضية الفلسطينية وأنه سيساعد على تهيئة الأجواء لتحقيق السلام وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، لكن هذه المبررات تبدو واهية بالنظر إلى واقع سياسي يظهر غياب أي دور فعلي لهذه الدول في لجم العدوان الإسرائيلي وتحصيل الحقوق الفلسطينية.

فخلال تلك الفترة قال ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد آل نهيان، إن "ثمن الصفقة هو موافقة إسرائيل على وقف ضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية"، وبرز موقف في الإمارات يسعى إلى التعجيل بخطوات التطبيع، حيث قال وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، إن "الإمارات لا تريد عملية بطيئة وتدريجية بل إن فكرتها هي المضي قدما في هذه العملية، وتطبيع الإمارات علاقاتها مع إسرائيل أدى إلى تجميد تل أبيب عملية ضم أراض فلسطينية في الضفة الغربية ويجعل من حل الدولتين أمرا قابلا للتحقيق".

وفي نفس النسق السياسي برر النظام المغربي خياره في ما وصفه باستعادة العلاقات مع الكيان، وأدرج الخطوة ضمن خدمة القضية الفلسطينية وتوفير مناخ لإقامة سلام شامل ودائم، حيث قال وزير الخارجية ناصر بوريطة حينها "نحن نتحدث عن استئناف للعلاقات بين البلدين كما كانت سابقا، لأن العلاقة كانت قائمة دائما ولا تتوقف أبدا، والمغرب سيكون أكثر قدرة على مساعدة الفلسطينيين وخدمة القضية الفلسطينية".

ووضعت البحرين خطوة إقامة تطبيع كامل لعلاقاتها مع الكيان ضمن نفس الإطار، حيث اعتبر وزير الخارجية البحريني، عبد اللطيف بن راشد الزياني، أن "المنامة ملتزمة بمساعدة الشعب الفلسطيني وبكافة القرارات العربية على رأسها مبادرة السلام العربي، وافتتاح السفارة يدل على التزامنا المشترك بالأمن والازدهار لجميع شعوب منطقتنا". كما قال وزير الخارجية العماني، بدر بن حمد بن حمود البوسعيدي، الذي استقبلت بلاده عددا من المسؤولين الإسرائيليين منذ عام 2020 دون التوقيع على اتفاق تطبيع حتى الآن، إن "إقامة دولة فلسطينية سيكون شرطا مسبقا لإقامة علاقات كاملة مع إسرائيل وإن حياد سلطنة عُمان ليس سلبيا وإنما إيجابي وبناء واستباقي".

لكن هذه المبررات كان يمكن أن تصبح جزءا من السياق السياسي فيما لو تحقق أي من الوعود لخدمة القضية وتحقيق مكاسب تصب في صالح الشعب الفلسطيني وإقامة دولته، فقبل هذه الأحداث الأخيرة حتى أدارت إسرائيل، وذلك نهجها، ظهرها لكل الالتزامات التي أعلنتها خلال توقيع اتفاقات التطبيع بشأن السلام واحترام الحقوق الفلسطينية، إذ استمرت عمليات الاستيطان وقضم الأراضي وتهجير الفلسطينيين وعمليات تهويد القدس والقتل والاعتقالات في مناطق الضفة والقدس، ومع ذلك لم تبادر دول التطبيع المعنية باتخاذ أي موقف.

وخلال الأحداث الأخيرة اختفت هذه الدول خلف مواقف سياسية بدت أقل التزاما من دول في أمريكا اللاتينية، وتوارت عن الأحداث دون أن يكون لها أي دور أو جهد يناسب مزاعمها السابقة بشأن قدرتها على فرض تفاهمات مع الجانب الإسرائيلي لإحلال السلام، بل إن الجانب الإسرائيلي عكس الهجوم وطالب الدول العربية بإدانة المقاومة، وهو ما ظهر في كلمة مندوبة الإمارات لدى الأمم المتحدة، التي أدانت "حماس" بشكل صريح، وبيانات الخارجية المغربية التي وضعت ممارسة الشعب الفلسطيني حقه في المقاومة والاحتلال في نفس المستوى.   

وبخلاف خيبة الموقف وضعف المبررات السياسية التي استندت إليها دول التطبيع في خيارات التقارب مع الاحتلال، فإن تقريرا نشرته وكالة "بلومبيرغ"، في جويلية الماضي، تحدث عن وجود خيبة كبيرة لدى الدول العربية التي طبعت مع إسرائيل "بسبب التعكر والتوترات المتزايدة بين إسرائيل والفلسطينيين بعد ثلاثة أعوام من توقيع اتفاقيات السلام"، مضيفا أن "الإمارات عبّرت عن إحباطها في اتصالات على مستويات عالية مع إسرائيل بشأن نتائج اتفاقيات ابراهام في 2020، في وقت عبّرت البحرين عن خيبة أملها حسب أشخاص على معرفة بالأمر. هذا الأمر يعود إلى تدهور العلاقات الإسرائيلية مع الفلسطينيين، تمثل في العدوان الإسرائيلي الواسع على مخيم جنين والتعليقات النارية من أعضاء الحكومة الإسرائيلية المتطرفة".