الملاعب الجوارية.. أكلها "الإهمال!

+ -


عجز في الملاعب الجوارية، منتخبون غائبون ومشاكل في العقار
مجلس المحاسبة يقر بوجود إهمال و"خطوات" مخالفة للتشريع
مركزا "المنتخبات الوطنية" و"المواهب الشابة" "يختصان" في "التهام الأموال"
كشف تقرير مجلس المحاسبة للعام الماضي عن معطيات وأرقام صادمة تخص الاعتمادات المالية التي التهمها قطاع الشبيبة والرياضة في شقه الخاص بانجاز وتجهيز المنشآت الرياضية بعديد ولايات الوطن، حيث سلط الضوء بشكل خاص على المشاريع ذات الطابع المحلي المسجلة خلال السنوات المالية المنحصرة ما بين 2016 إلى 2020 والمنجزة على مستوى 16 بلدية تنتمي إلى خمس ولايات بغرب البلاد، في إطار مختلف برامج الدولة المتعلقة بالتجهيز.
وكان ما توصل إليه التقرير من معطيات تخص "الملف" كاملا قد ترك الانطباع بضرورة تمتين وتعزيز الآليات الرقابية للدولة، مع حرص أكبر للحفاظ على المال العام وعلى ما يصطلح عليه بـ "رزق البايلك"، في ظل عدم توصل كل ما تم إنفاقه إلى تحقيق الغاية المرجوة من قبل السلطات العمومية، بعد أن اتضح من خلال قراءة في تقارير المجلس وجود أمور أشبه بالتبذير الممنهج لأموال الشعب نظير انبعاث لروائح غش في الأشغال، مقابل مبررات رسمية بدت وكأنها موجهة للاستهلاك فقط قياسا بافتقارها للجدية في التكفل الأمثل بإصلاح الاختلالات الحاصلة.

إجراءات عملية مخالفة للمعايير والأحكام التشريعية
وكان مجلس المحاسبة قد توصل إلى حقيقة مفادها وجود هوة وتباعد في الرؤى وفجوات بين ما تستدعيه المعايير والأحكام التشريعية والتنظيمية السارية المفعول، مع ما اتخذ من إجراءات عملية على المستويين المحلي والميداني: "قياسا بما تم الوقوف عليه من نقائص وتقصير من قبل مديريات الشبيبة والرياضة الولائية والبلديات المعنية بانجاز تلك المنشآت الرياضية، سواء أكان ذلك من حيث البرمجة أو الانجاز، وحتى التجهيز". فيما سمح التقرير السنوي (2022) أيضا بتسليط الضوء ضمنيا ولو بشكل غير مباشر على المسببات الرئيسية "لتآكل المال العام"، سواء عند تطرقه للمشاريع التي طالها الإهمال، أو حتى عند سرده لما يتم اللجوء إليه من مبررات للتغطية على ما تعانيه المنشآت العمومية من سوء تدبير وتسيير.
وتضمن التقرير الذي شمل عينة من أربع بلديات بولاية سيدي بلعباس، إضافة إلى 12 بلدية تابعة لولايات تلمسان، وعين تموشنت، والنعامة وتيارت، على عديد أوجه الإهمال وحتى نقائص فادحة في المؤهلات لمن أوكلت لهم مهام التخطيط، وذلك كله دون غض النظر عن غياب النظرة التوافقية بين المسؤولين المركزيين والمحليين، ما تسبب في غالبية الحالات في تأخر فادح في انجاز المشاريع، وسقوط غالبية هذه الأخيرة تحت طائلة ما يصطلح عليه إداريا بـ "إعادة التقييم المالي" على اختلاف مصادر تمويل تلك المشاريع، وذلك لأسباب مختلفة ومتنوعة "تختفي" كلها وراء مبررات "تقنية بحتة" يستحيل في الكثير من الأحيان العثور فيها على "الخيط الأسود من الأبيض".

13 مليار دينار لأجل 760 عملية تجهيز في 16 بلدية غربية
حدث هذا؛ رغم تأكيد لغة الأرقام استفادة 16 بلدية من خمس ولايات غربية وهي تلمسان منصورة، ومغنية، وشتوان من ولاية تلمسان، وبلديات سيدي بلعباس، وسفيزف، وراس الماء، وواد تاوريرة من ولاية سيدي بلعباس، إضافة إلى تيارت، والسوڤر والرحوية من ولاية تيارت، وبلديات عين تموشنت وولهاصة الغرابة من ولاية عين تموشنت، وحتى بلديات النعامة وعين الصفراء، ومكمن بن عمار من ولاية النعامة، خلال الفترة الممتدة من 2016 إلى 2020، من 760 عملية تجهيز كاملة، ما استدعى تخصيص غلاف مالي مقدر بـ 13 مليار دينار، ساهم صندوق التضامن والضمان للجماعات المحلية في توفير ما يعادل ال 9.443 مليار دينار منه، أي بنسبة 72.65 بالمائة، مقابل 2.630 مليار دينار من المخططات البلدية للتنمية. بينما شكلت المساهمات المالية للبرامج القطاعية غير الممركزة 632 مليون دينار، نظير 292 مليون دينار آخر من الصندوق الخاص بالتنمية الاقتصادية للهضاب العليا.
وكانت عمليات إعادة تهيئة المنشآت الرياضية التي كانت موجودة من ذي قبل قد استهلكت لوحدها، ما يعادل الـ 60.83 بالمائة من الاعتمادات المالية المرصودة، مع الإشارة إلى هيمنة المشاريع الموجهة لنشاط كرة القدم على حساب كل الرياضات الأخرى قياسا باستنزافها لما يعادل الـ 11.092 مليار دينار من إجمالي الغلاف المرصود.
ومهما يمكن، فإن ما رصدته الدولة من إمكانيات يؤكد مدى حرصها على تعميم ممارسة النشاط البدني عبر البلديات لأهميته في محاربة الآفات الاجتماعية وطبيعته كعامل أساسي للتربية ومساهمته في التفتح الفكري دون غض النظر عن دوره في ترقية الشباب وتهيئتهم، مع أن كل ذلك لم يمكن من بلوغ ذلك التوافق في الرؤى والمفاهيم بين ممثلي المركزية ونظرائهم من المسؤولين المحليين، دون إقصاء عامل الفوارق الموجودة بين ما هو نظري وما يمكن تحقيقه في الميدان لأسباب متشعبة ومعقدة.

"تغييب" المجتمع المدني وإهمال معطيات الخريطة الوطنية للتطوير الرياضي
هذا، وقد تم التوصل إلى حقيقة مفادها بأن عملية انجاز الملاعب، التي صنفت غالبيتها كملاعب جوارية لم تسبقها أي استشارة أو إشراك لممثلي المجتمع المدني في تلك البلديات للوقوف على ما تحتاج إليه فئة الشباب هناك، كما تبين بأن الجماعات المحلية ومديريات الشباب والرياضة الولائية التي تم مراقبتها، قامت بانجاز وتهيئة المنشآت الرياضية دون الاستعانة بالمعطيات التي توفرها الخريطة الوطنية للتطوير الرياضي والمخطط التوجيهي للرياضة والتجهيزات الرياضية الكبرى: "مع أن هذه الأدوات تعد من ركائز التخطيط السليم والمتابعة القيمة التي لا يمكن من دونها التحكم في الاحتياجات ولا يمكن للمنشآت الرياضية أن تستجيب لمبدأ التنوع والتكيف مع مختلف أشكال الأنشطة البدنية والرياضية".
وقد أفرزت هذه المعطيات في طياتها على سبيل المثال؛ منح حصة الأسد من المشاريع المنجزة لملاعب خاصة بكرة القدم دون غيرها من الرياضات، مع أن المجال كان مفتوحا أمام مديريات الشباب والرياضة، وحتى البلديات، لانجاز مساحات لعب تخص باقي الرياضات، ما تمخض عنه اختلالات مقارنة بما يستدعيه المنطق في ظل تواجد فئة عريضة من الشباب من هواة الرياضات الأخرى بمختلف مناطق الوطن.

مشاكل في العقار، منتخبون "غائبون" وملاعب جوارية "أكلها" الإهمال
وقد نتج من وراء كل ما تم ذكره مشاريع وهياكل غير مكتملة، سواء أكان ذلك من حيث الانجاز أو من حيث التجهيز، كما أن غالبية الملاعب تفتقر إلى من يسهر على حراستها وحتى صيانتها، في ظل بقاء الكثير منها تحت وصاية مديريات الشبيبة والرياضة بعد أن تم الوقوف على وجود بطء في إجراءات التحويل، وغياب محاضر تسليم لتلك المنشآت إلى البلديات، ما جعل العديد من الملاعب عرضة للإهمال والتآكل، كما هو عليه الشأن مع الملعب الجواري لسيدي بوعزة الغربي، وملعب حي سيدي أعمر الشعبي بمدينة سيدي بلعباس.
وكان تقرير مجلس المحاسبة قد تطرق أيضا إلى تأخر العديد من البلديات في تسليم هذا النوع من الملاعب، قياسا بالمصاعب التي واجهت الجماعات المحلية في إيجاد أرضيات كفيلة بانجاز هذا النوع من الفضاءات، سواء أكان ذلك بسبب الشح المسجل في الأوعية العقارية، أو للمعارضة التي لقيها هذا النوع من المشاريع من المواطنين أنفسهم: "إيمانا من هؤلاء بما يصاحب ممارسة كرة القدم تحديدا في الأحياء من تصرفات مشينة في الكثير من الأحيان".
لم ينس التقرير التطرق إلى التأخر المسجل في تفريد العمليات وإلى غياب التحديد الدقيق للمواصفات التقنية لبعض الأشغال والتجهيزات، وأثر ذلك على التحكم في آجال الانجاز والتكلفة العامة للمشروع، مع أن حتى الملاعب الجوارية التي تأكد المحققون من انجازها في الميدان وأضحت متاحة على مستوى الجماعات المحلية المستهدفة، بدت وكأنها لا تضمن تغطية كاملة لاحتياجات السكان.
يذكر أن المحققين وقفوا أيضا على حقيقة عدم "انغماس" بعض المجالس البلدية في العملية بالطريقة المرجوة؛ بحكم عدم إعدادها لبرامجها المتعلقة بانجاز المنشآت الرياضية المخطط لها في كل بلدية، سواء أكانت برامج سنوية، أو متعددة السنوات الموافقة لمدة عهدة تلك المجالس. فيما كشفت التحريات التي شملت ولاية سيدي بلعباس لوحدها في الشق المتعلق بمشاكل العقار، عدم ملائمة الأرضيات المخصصة لانجاز 15 ملعبا جواريا على مستوى 15 بلدية كاملة لاستقبال نوع معين من التجهيزات، بعد أن تم تسليط الضوء على عملية تخص إنجاز 20 ملعبا رياضيا جواريا بالعشب الاصطناعي مسجلة بعنوان صندوق التضامن والضمان للجماعات المحلية لسنة 2018.

عجز بـ 21 ملعبا جواريا ببلدية سيدي بلعباس و "المير" يعد بالتدارك
قدر مجلس المحاسبة بوجود عجز كبير في الملاعب الجوارية الخاصة برياضة كرة القدم، وذلك إلى غاية سنة 2020 بعدما استند معدو التقرير على جملة من المعايير والإحصائيات، على غرار عدد سكان كل بلدية شملها التحقيق.
وقد خلص هؤلاء إلى حاجة بلدية سيدي بلعباس البالغ تعدادها السكاني إلى غاية 2016 عتبة 236114 نسمة إلى ما يعادل الـ 47 ملعبا، بعد أن اقتصر انجاز هذا النوع من المنشآت على 3 ملاعب فقط خلال الفترة الممتدة ما بين 2016 إلى 2020، ما يعني ضمنيا بأن المدينة تبقى تعاني عجزا مقدرا بـ 21 ملعبا تبعا للمعايير المتبعة، وهو ما تعمل السلطات الولائية والمحلية على تغطيته منذ تلك الفترة، بدليل تأكيد رئيس المجلس الشعبي البلدي لسيدي بلعباس، ميلود مغربي، عن إطلاق أشغال تهيئة وإعادة تهيئة 6 ملاعب جوارية بعاصمة الولاية.
وفي مقابل ذلك، توصل محققو مجلس المحاسبة إلى حقيقة مفادها حاجة كل من بلديتي سفيزف وراس الماء، وهما من أكبر بلديات الولاية، لملعبين جواريين لكل بلدية: "وهو العجز الذي تم تجاوزه براس الماء"، وفقا للرد الصادر عن والي ولاية سيدي بلعباس خلال فترة معينة.

تسبيقات مالية غير مسترجعة وخرسانة "متآكلة" بمسبح راس الماء
يعد مشروع انجاز مسبح ببلدية راس الماء، 100 كم جنوبي عاصمة الولاية سيدي بلعباس، واحدا من المشاريع التي ضبط محققو مجلس المحاسبة على مستواه أكثر من "تجاوز قانوني"، وهي العملية المسجلة منذ 2007 في إطار برنامج الهضاب العليا، باعتماد مالي يعادل الـ 368 مليون دج.
هذا المشروع لم يتم استلامه إلا بعد 13 سنة، بعدما تحول مع مرور السنين إلى عينة حية عن "هدر المال العام" و"التلاعب والإهمال"، خاصة بعد أن تبين حصول المقاولة الأولى التي باشرت على مستواه الأشغال بتاريخ 20 أفريل 2009 قبل فسخ عقدها على أكثر من 15 مليون دج كتسبيق مالي، دون أن تتمكن أي جهة من استرجاعها، وذلك إلى غاية نهاية ديسمبر 2020.
وقد أرجع والي سيدي بلعباس السبب من وراء تأخر استلام المشروع "هو إعلان عدم جدوى المناقصة لعدة مرات بالنظر لطبيعة المشروع، وكذا بعده عن عاصمة الولاية"، قبل أن يعترف المسؤول ذاته بتآكل الخرسانة الخاصة بالبنية التحتية للمشروع، وفقا لتقرير الخبرة التقنية، ما تطلب إعادة إنجازها بحكم توقف المشروع لعدة سنوات.