38serv

+ -

قصّة صحفي محترف في فنّ التصوير من بلغراد إلى الجزائر في رحلة البحث عن حقيقة الثورة التحريرية ونقلها إلى العالم من قلب ساحات المعارك، ومن عمق جبال الجزائر، أعتبر جنديا ومقاتلا دون رشّاش، بل جندي يحمل الكاميرا فوق كتفه وآلة التصوير في يده.

إنّه المصوّر اليوغسلافي الشهير ستيفان لابودوفيتش "Stevan Labudović" من مواليد سنة 1926 في دولة صربيا الحالية يوغسلافيا سابقا، كان مولعا بفنّ التصوير منذ طفولته لذلك اختار دراسته في المعاهد المتخصّصة إلى غاية نيله شهادة عليا في التصوير السينمائي.

بدأ مساره المهني مساعد مصور ليصبح بعدها مصوّرا محترفا ثمّ يشغل وظيفة المصوّر الرئيسي والرسمي للرئيس اليوغسلافي جوزيف بروزتيتو أحد أقطاب منظمة دول عدم الانحياز والمساند للثورة الجزائرية منذ اندلاعها، وهو الذي سمح للمصوّر لابودوفيتش بالذهاب إلى الجزائر لينقل حقيقة الكفاح المسلّح ويوثّق معارك جيش التحرير الوطني مباشرة من الميدان.

لابودوفيتش وجد عند الرئيس تيتو رغبته فحمل أجهزة التصوير وانتقل إلى ميدان المعارك داخل التراب الجزائري ليبدأ رحلة الكفاح بالكاميرا بعد أن آثر صعوبة جبال الجزائر من حدود الأوراس إلى الشريط الحدودي مع تونس على رفاهية القصور الرئاسية في بلغراد فكانت معركة الصورة التي كشفت قوّة جيش التحرير وسلاح الكاميرا الذي فضح ممارسات الجيش الاستعماري.

من داخل الجزائر وعلى طول الشريط الحدودي رافق ستيفان لابودوفيتش جنود جيش التحرير في مواجهتهم للجيش الفرنسي، صوّر معاركهم وحياتهم اليومية وقاسمهم حياة الجبال، آلف دوي الرّصاص وأعجب بشجاعة المجاهدين وتآزرهم فحوّل مهمته من شهرين في البداية إلى عشرات الشهور حيث طلب من مسؤولي بلده أن يسمحوا له بالبقاء في الجزائر مع جيش التحرير الوطني مدّة أطول فكانت ثلاث سنوات قال عنها ستيفان: " إنّها أجمل سنوات عمري رغم المخاطر"، مخاطر ذلّلتها مروءة جنود جيش التحرير الذين كانوا يغطّونه بأجسادهم حين تشتدّ المعارك يتساءل لابودوفيتش: "ألهذه الدرجة كنت عزيزا عليهم، ربّما لأنهم أدركوا قيمة العمل الذي كنت أقوم به".

فعلا كانت مساهمته أكثر من قيّمة في نقل الحقيقة كما هي وفضح الدعاية الاستعمارية الفرنسية بالدليل وهل هناك أدلّ من الصورة والصوت؟

صور لابودوفيتش أسقطت وصف قطّاع الطرق والخارجين عن القانون على عناصر جيش التحرير ونقلت للعالم حقيقة جيش شعبي يكافح من أجل حقّ مشروع ويطبّق المبادئ الإنسانية في الحرب ويحظى بدعم غالبية الشعب، لقد كسّر ستيفان الطوق الإعلامي وأصبحت صور جيش التحرير على صفحات الجرائد العالمية وفي أروقة المنتديات وعواصم الدول الصديقة للجزائر.

كانت السنوات الثلاث التي عاشها ستيفان لابودوفيتش مع المجاهدين في جبال الجزائر كافية لإنتاج عشرات الكيلومترات من الأشرطة والأفلام المصوّرة ومئات الصور الفوتوغرافية مازالت الأرشيفات والمتاحف تحتفظ بها، صور لم تتوقّف إلاّ مع فرحة الاستقلال سنة 1962 والتي وثّقها في خاتمة مهمّته الإنسانية.

لابودوفيتش الذي نال لقب مصوّر الثورة الجزائرية بكل جدارة بقي وفيّا للجزائر المستقلة، ورغم عودته إلى يوغسلافيا لممارسة وظيفته كمصوّر مرافق للرئيس جوزيف بروز تيتو في المهام الرسمية والزيارات الدولية إلاّ أنه ظلّ يتردّد على الجزائر كلّما سمحت له الفرصة، فحضر احتفالية خمسينية الثورة، وشارك في معرض جنود بالأبيض والأسود سنة 2013، ومعرض فوتوغرافي في إطار مهرجان الأيام الثقافية الصربية بالجزائر سنة 2015، كما حضر الطبعة الخامسة للمهرجان الدولي للسينما سنة 2014، بدورها الجزائر التي لم تتنكّر لأصدقائها فكرّمت ستيفان لابودوفيتش بـأعلى وسام استحقاق وطني بمناسبة الاحتفال بالذكرى الـ50 لاندلاع الثورة التحريرية سنة 2004، وتوالت التكريمات كلّما زار الجزائر، وحتّى في صربيا من طرف السفارة الجزائرية في العاصمة زغرب.

مساندة لابودوفيتش للثورة الجزائرية تشهد عليه جبال وغابات الجزائر الشرقية في خمسينيات القرن الماضي، وأروقة المعارض والمتاحف إلى الأبد، شهادة حقّ في من وثّق الكفاح العادل للشعب الجزائري بالصّوت والصورة ونال لقب مصوّر صربي بقلب جزائري.

توفّي لابودوفيتش صاحب مقولة: "الثورة الجزائرية من أعظم الثورات في العالم"، سنة 2016، بعد أن كتب قصّة عشق للجزائر كانت بدايتها صورة.