الصيرفة الإسلامية بين أصالة التأصيل ومزالق التّنزيل

+ -

 العلم رحم بين أهله، ومن أوجب الواجبات على أهل الشّريعة أن يبيّنوا الأحكام على الوجه الّذي يعتقدون أنّه هو الحقّ، دون مجاملة أو مداهنة، أو تزلّف أو تزيين، قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ..} آل عمران.وكلّما انتقدنا بعض الأحكام الشّرعية الصّادرة من بعض الهيئات الشّرعية إلّا وقامت علينا أقلام المدّاحين والشياتين لينهالوا علينا بوابل من الشّتم والانتقاص، بل وحتّى محاولة تأليب السلطات على كلّ منتقد لهم. وكأنّهم حازوا العصمة التّشريعية بمجرّد انتسابهم للهيئات الرسمية، بل ووسمونا بأنّنا خطر على المرجعية!!!فأقول: ابتداء أنّه لا غبار حول الصيرفة الإسلامية من حيث تأصيلها، فقد أبدع فيها العلماء المعاصرون كتابة، تأصيلًا وتنظيرًا، وعلى رأسهم كلّ من العلامة الشّيخ الدكتور يوسف القرضاوي، وعبد الله بن منيع، ويونس رفيق المصري، وعلي السالوس، وعبد الستار أبو غدة، ومصطفى الزرقا، وحامد حسان، ووهبة الزحيلي، والقره داغي، وعمر سليمان الأشقر، وعثمان شبير، وأبو البصل، ومحمد الحسن ولد الددو... وغيرهم، فرحم الله الأموات وبارك الله في الأحياء.والمشكلة كلّ المشكلة في أولئك الّذين يتصدّون للتّنزيل في بلدنا، فإنّه لا إشكال في التّأصيل ولكن هناك مزالق في التّنزيل، لأنّ أصعب شيء فيه هو تحقيق المناط، وعنده تفترق قرائح الفرسان بين مدرك للحقائق، وجار وراء السّراب يظنّه الضّمٱن هو الشّراب.ولحدّ السّاعة عندنا في الجزائر الصيرفة تدخل عامها الثاني، ولكن من غير وثيقة رسمية تأصيلية، ولا مخرجات واقعية مغرية!!!حقائق بلا مزايدةأوّلًا: الأصل في المعاملات الإباحة. ثانيًا: الأصل في البيوع الحلّ. ثالثًا: الأصل في الشّروط الحِلّ إلّا مخالف شرطًا منصوصًا. رابعًا: الأصل في البيع الانتفاع الدّنيوي أو الأخروي، أو كلاهما. خامسا: الأصل في البيع الحيازة الحقيقية أو الحكمية.أصول المعاملات وأسس المعاوضات الماليةأوّلًا: آية الرِّبا. ثانيًا: آية المُداينة. ثالثًا: أحاديث الغَرَر. رابعًا: المصلحة الشّرعية.أسباب تعطّل مشروع الصيرفة الإسلامية في الجزائرعدم ثقة الشعب في المؤسسات المالية للدولة. البيروقراطية الإدارية ملفًا وتمويلًا. التخلّف الفقهي ودعوى التمسُّك بالمرجعية الصورية، وأزمة التّأصيل لبعض التّخريجات المحرجات، مثل التّعامل الرّبوي مع البنك المركزي من جهة التّنزيل! الاعتماد على القاعدة الربوية في فتح الشّبابيك الإسلامية. الفراغ التّشريعي في مرسوم قوانين الصيرفة. عدم وجود أشخاص ذات وزن شعبي وعلمي للتّرويج لهذا المشروع ويكونون محلّ ثقة!. عدم الوضوح في أدوار الهيئة الوطنية للرّقابة المالية وكيف تكون فعّالة وذات مسؤولية واستقلالية.الدّعوة إلى فتح بنوك لا ربوية على غرار ‘بنك السّلام’ و’البركة’، لا شبابيك إسلامية في بنوك ربوية. استحواذ مجموعة من الباحثين على مشروع الصيرفة وعدم توسيع دائرة الاستشارة والرأي. وآفة الاستعجال في الفتح أورثت الارتجال والانفعال والإقصاء.خطر فقه الحيل على البنوك الإسلاميةقال الدكتور يوسف القرضاوي: “وقد كنّا نستغرب ما يُحكَى عن بعض الحنفية وغيرهم، من عمل (الحيل الشّرعية) أو (الفقهية) ليتخلَّص بها بعض النّاس من وجوب الواجبات، أو من تحريم المحرَّمات، وكان منّا مَن يرى ذلك مُفترًى عليهم للتّشنيع من خصومهم، حتّى رأينا بأعيننا في عصرنا من العلماء الشّرعيين أو الاقتصاديين الإسلاميين، مَن يبتكر حِيَلًا مثل تلك الحيل القديمة، لإجازة بعض صور المعاملات الحديثة، الّتي تقوم بها المصارف أو البنوك الإسلامية، هي في المعنى والجوهر نفس ما تقوم به البنوك الربوية، روحًا وأثرًا ونتيجة، وهم يُحرِّمون هذه ويُحلُّون تلك. وأصبح هذا، للأسف الشّديد، اتّجاهًا معروفًا يُقرِّره مجموعة معروفة تهدِّد البنوك الإسلامية بالخطر، إذا استمرّ توجُّهها هذا وتفاقم، ولم يُقاوَم”. (القواعد الحاكمة لفقه المعاملات).ختامًا..الصيرفة الإسلامية مشروع رائد وواعد، يحتاج إلى أن ينضج على نار هادئة، وبرسالة هادفة، وبمسؤولية متجرّدة، وبنصوص واضحة شرعًا وقانونًا.وعلى الجهات الاستشارية الشّرعية، أن تعلم: أنّكم توقّعون عن ربّ العالمين، وأنّ الشعب يثق فيكم من هذه الحقيقة، كونكم تتكلّمون بلسان الشّرع. فكونوا في مستوى هذه الثقة، ووالله لن نسامحكم إذا غررتم بالشعب من أجل مصالحكم الخاصة، أو بدعوى مساعدة بعض المؤسسات حتّى ولو كانت رسمية. وليكن شعاركم: مَن ترك شيئًا لله عوّضه الله خيرًا منه.*أستاذ الشريعة والقانون بجامعة وهران

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات