محاربة الفساد شرط النهوض الاقتصادي والاجتماعي

38serv

+ -

ما زالت بلادنا تتذيل الترتيب العالمي في معدلات الشفافية ومحاربة الفساد، إذ احتلت الجزائر المركز 106 عالميًا برصيد 35 نقطة في مؤشر الفساد العالمي لعام 2019م، الّذي أصدرته منظمة الشفافية الدولية يوم الخميس الماضي (انظر جريدة الخبر العدد 9449).حذّر الإسلام من الفساد بجميع صوره الاقتصادي والاجتماعي والإداري والسياسي، وحذّر منه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم صراحةً، وحثَّ الأمّة على محاربته بجميع صوره وأشكاله، يقول تعالى: {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا}، ويقول سبحانه: {وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}.فمن صور الفساد الّذي ابتليت به الأمّة في الأموال: السّرقة، الاختلاس، الرّشوة، التربّح بالوظيفة والخيانة للمسؤوليات؛ وفي العمل: الإهمال، التّقصير، عدم الإتقان، المحسوبية، بخس العامل حقّه، عدم أداء الأجير أجرته، والإسراف والتّبذير والبذخ الّذي تجاوز حدود الزمان والمكان؛ وفي جانب التّداول والتّجارة: الغشّ، التّدليس، المماطلة، واحتكار السّلع.وإنّ من أهم أسباب الفساد الّذي عمّ في مجتمعات المسلمين ضعف الوازع الدّيني وعدم مراقبة المولى عزّ وجلّ وعدم استشعار أنّ الله يرى العبد، وأنّنا لم نصل إلى مرتبة الإحسان الّذي هو أعلى مراتب الدّين، أن يعبد المسلم ربّه كأنّه يراه. وضعف السّلوكيات الطيّبة، وانتشار المادية بين النّاس وتفكُّك عُرى التّكافل والتّضامن الاجتماعي، وانتشار الأنانية والحقد والكراهية، فقدان الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر وهو يعتبر صمام أمان للمجتمع من الفساد، فإذا غاب الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر فشَا الفساد وانتشر. ضعف الرّقابة ومتابعة الأداء الوظيفي، وفي كثير من الحيان يطال الفساد أجهزة الرّقابة أيضًا، وهذا ينتشر بصورة ملحوظة في دول العالم الثالث. غياب التّشريعات والأنظمة الّتي تكافح الفساد، أو وجود تشريعات قاصرة في تعريفها لمفهوم الفساد ورؤيتها الجزئية لوسائل محاربته.إنّ قضية محاربة الفساد تشغل الجميع، بدءا من الشعوب وليس انتهاء بالحكومات بل حتّى المنظمات الدولية قد عملت أيضًا على محاربة الفساد.وإنّ الصّلاح والإصلاح ومحاربة الفساد والإفساد طريق للعزّة، سبيل للكرامة، عنوان للفلاح، رفعة للأمم، حفظ للشّعوب، وكسب لمرضاة الواحد الأحد، ونجاة من عقابه {فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ}.إنّ الدّين الإسلامي الحنيف حارب الفساد منذ اليوم الأوّل لبعثة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فالإسلام ذاته ثورة ضدّ الفساد بدءا من فساد العقيدة فقد جاء ليحرّر النّاس من عبادة العباد إلى عبادة ربّ العباد، وجاء ليقضي على الأخلاق الذّميمة والعصبيات الجاهلية، وينشر بدلًا منها، الأخلاق القويمة الحميدة، جاء ليقضي على كلّ مظاهر الفساد الاقتصادية والاجتماعية ويؤصّل بدلًا منها كلّ ما هو حسن وكلّ ما من شأنه أن ينهض بالأمّة ويجعلها رائدة العالم كلّه.ولا يشك عاقل في أنّ انعدام العدالة الاجتماعية في أي مجتمع من المجتمعات سبب مهم جدًّا من أسباب الفساد مهما كانت القوانين صارمة والعقوبات شديدة والحكومات حازمة في تنفيذ القانون، لذا من الضّروري والحتمي لأيّ دولة تريد القضاء على الفساد أن تعالج هذه المشكة. كتب أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز إلى عمّاله كتابًا فقال فيه: (نرى أن لا يتجر إمام ولا يحلّ لعامل تجارة في سلطانه الّذي هو عليه، فإن الأمير متى يتجر يستأثر ويصيب أمورًا فيها عنت وإن حرص أن لا يفعل)، والسّبب (وذلك إدراكًا منه أن ممارسة العمال والولاة للتجارة، لا تخلو من أحد أمرين، إن لم تكن الإثنان معًا: فإمّا أن ينشغل في تجارته ومتابعتهما عن أمور واحتياجات المسلمين، وإمّا أن تحدث محاباة له في التجارة لموقعه، ويصيب أمورًا ليست له من الحقّ في شيء، وبهذا القرار سدّ عمر منفذًا خطيرًا قد يؤدّي إلى فساد إداري قلَّ ما تتوارى عواقبه)، ما يحدث اليوم من كبار المسؤولين في الدول من فساد عظيم جزء أساسي من سببه قيام المسؤول بممارسة عمل تجاري خاص به.كما جاء الإسلام بعقوبات شديدة على عدد من الجرائم (حدّ السّرقة، وحدّ الحِرابة..)، وهذا التّشديد في العقوبة يحمي المجتمع كلّه من الفساد والمفسدين[email protected]

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات