+ -

إلى الأخ الفاضل ورفيق الدرب منذ سبعينات القرن الماضي،تحية خالصة وبعد،قد تجد بعض الغرابة في هذه الرسالة والحاجة التي دفعتني إلى اللجوء إليك كصديق ورفيق في المهنة، جمعتنا معارك خضناها كل حسب اجتهاده من أجل إيصال كلمة الحق للقارئ، واستماتة كل واحد منا في حماية قلمه من عبث العابثين ومن المستكبرين في الأرض في الداخل والخارج، في السلطة كما في المعارضة، زمنَ الحزب الواحد كما في زمن التعددية، مع ما يتمتع به كل واحد منا من استقلال في الاجتهاد وما بيننا من خلافات مشروعة في تقدير المسارات التي خضعت لها البلاد.تذكر جيدا اليوم الذي التقت فيه إرادتك وإرادتي من غير أي ترتيب مسبق أو حسابات خاصة فأوقفنا تمرير عملية قرصنة لموقف الصحفيين وتجييرها لصالح وقف المسار الانتخابي التشريعي الأول في تاريخ الجزائر، وكيف كُتب لرجلين فقط أن يتصديا لعملية القرصنة وإفشالها.. وقد كان موقفك منها ودعمك لموقفي قرينة لا ترد عن قيمة الشجاعة في إبداء الموقف دون حساب للمغانم أو المغارم، قد حمدتها لك إلى يومنا هذا رغم افتراق مساراتنا المهنية وتباعد تقديراتنا للأحداث التي لا تفسد الود والاحترام، بل هي رحمة من الله.. وقد كنت أنت من بين زملاء رفعوا ذات يوم ذلك الشعار الحميد للشافعي: ”رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأيك خطأ يحتمل الصواب”..أخي سعد،قبل أن أفصح عن الغاية من هذه الرسالة وحتى أبعد مواطن سوء الظن، أذكرك أني منقطع عن كل ما له صلة بالنظام والسلطة منذ أن قرر حرماني ليس فقط من حق التعبير بل قطع الرزق عني وعن أبنائي بملاحقتي حيث ما وليت وجهي، لاحقني بشكل مباشر بتعليق ثلاث عناوين (الصح آفة، النح لا، والوجه الآخر) ثم بالضغط على العناوين التي تعاملت معها بالقطعة من باب الاسترزاق الشريف بقلم لم يتحكم فيه أحد لا في زمن الحزب الواحد ولا بعد قيام التعددية..وليس من باب الشكوى أُسر إليك بما لم أجهر به لغيرك على الملأ أني في حكم العاطل عن العمل منذ توقيف ”الصح آفة”، بلا معاش ولا ضمان اجتماعي، بل أنا في حكم ”الحراق” في بلده، وقد تعاملت بالكلمة مع الصحف الثلاث التي تعاونت معها بعلاوة تركتُ دائما تقديرها لهم واكتفيت بشرط عدم التدخل في مضمون كتاباتي، وقد احترمتها العناوين الثلاث، وتذكر كيف كان عمود ”أيام العرب والعجم” مخالفا لسياسة التحرير بيومية خاصة حيال رئاسيات 2004، ومع مواقف البلاد القريبة من خط حماس، ثم مع إدارة جريدة أخرى زمن الربيع العربي، حتى هذه الأيام حين طرأ طارئ بعد أن قامت إدارة التحرير بالجريدة بمنع نشر ثلاث مقالات ما بين الجمعتين وقبل تحرير هذه الرسالة، فوجدت نفسي أمام موقف أخلاقي معقد، حيث لم يكن بوسعي الدخول في مناكفة مع الجريدة التي احتضنتني لأكثر من عقد واحترمَت معي تعهداتها، ولم يكن بوسعي الترويج لحالة تنفيذ رقابة غير مبررة على ثلاث مقالات لأني أتابع المضايقات التي خضعت لها اليومية منذ أكثر من سنة، وكانت لها تداعيات على عمال وصحفيي اليومية، مع العلم أني لم أتقاض العلاوة المتفق عليها منذ فبراير 2018.بعد هذا التقديم آتي إلى الهدف من الرسالة ولماذا قصدتك أنت وحدك بالتحديد، ليس لأني أرغب في توظيف قلمك وسعة ما توفر لك من نفوذ في الساحة الاعلامية، أو أسألك التوسط لنشر المقالات الثلاث، أو نقل فعل الرقابة عليها إلى الرأي العام.. لقد لجأت إليك لثلاثة أسباب:-الأول أن أتولاك ولو عن بعد كرئيس تحرير مهني تعرض عليه المقالات الثلاث بمضمونها لأرى هل كان فيها ما يبيح إخضاعها لمقص الرقابة، فربما أكون قد أخطأت فيها وكانت الجريدة على حق، وهنا ألتمس من الصحفي المهني سعد أن يفيدني بتعليق شخصي..-الثانية أني أريدك أن تتولى لصالحي مهمة ”مُوثِّق” يحفظ المقال بعينه، ليكون لاحقا شاهدا لي أو علي حين ينجلي الغبار ويستقر المسار في واحد من المآلات الثلاث التي رصدتها: تمرير ولاية جديدة للرئيس من سنة تسمح لأرباب الدولة العميقة بتنفيذ تغيير بات مطلبا لها قبل أن يكون مطلبا للشارع وليس منّة على الشارع أو المعارضة.-أما الثالثة فأن تكون لي شاهد دفاع إن سألني أحد بعد هذا لماذا لم يكن لي رأي في تقييم هذا الحراك وأخذ موقف من الأحداث؟ وقتها سوف أستدعي شهادتك لي لأني أعلم أمانتك حتى وإن كنا على اختلاف في تقييم وتقدير المشهد. وفي أمل أن تستجيب لطلباتي هذه، لك مني خالص عبارات الشكر والعرفان.صديقك الممتن حبيب راشدين

 أقسم بالله أنني ذرفت الدموع عندما قرأت الرسالة، فأنت الذي سُجنت في عهد الحزب الواحد وقُطع رزقك في عهد التعددية، ومحنتك مع المهنة والسلطة تشبه محنتي، ولعلمك أنني اقترحت اسمك للتوقيع على رسالة ”مواطَنة” قبل سنة ولم أتمكن من الاتصال بك آنذاك.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات