يعود رئيس حركة ”النهضة” في تونس، الشيخ راشد الغنوشي، إلى زيارته الأخيرة للجزائر ولقائه بالرئيس بوتفليقة، ويتحدث بإسهاب عن مأزق الأزمة الراهنة في ليبيا، وعن جهود ومبادرة تونسية - جزائرية - مصرية لوضع إطار إقليمي لحل الأزمة، كما يتحدث في الحوار الذي خص به ”الخبر” عن تقييمه للمراجعات التي قامت بها حركة النهضة في أدبياتها السياسية في الفصل بين الحزب والدعوة، وعن استمرار أطراف تونسية في التشكيك في المسار الديمقراطي الجديد للحركة، ويشرح صعوبة طرح فكرة حوار مع المسلحين في تونس في الوقت الحالي بسبب عدم النضج الكافي لهكذا فكرة في تونس، ويسترجع بعض خصال الشيخ الراحل محفوظ نحناح، ويشرح بعض المفاهيم والتوصيفات السياسية الجديدة كالإسلام الغاضب والإسلام الديمقراطي.
بالعودة إلى زيارتك إلى الجزائر وبغض النظر عن التصريحات الرسمية، في أي إطار كانت هذه الزيارة، وهل فعلا كان الملف الليبي هو المحور الرئيس لها؟ لم تكن هذه الزيارة الأولى للجزائر كما هو معلوم، الجغرافيا والتاريخ والمصالح تفرض علينا مزيدا من توثيق العلاقات على المستوى الرسمي والشعبي، هذه منطقة واحدة ولا يمكن أن يكون لها مستقبل دون أن يكون هناك توافق على مصير واحد والاعتماد والسلم والأمن المشترك، فعلا كان الملف الليبي هو المحور الرئيسي للمباحثات مع الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، واعتقد أن الأزمة الليبية في الوقت الحالي تمثل التحدي الأمني الأكبر للمنطقة، ليبيا بقدر ما تحمل آفاقا تنموية كبيرة للمنطقة، بقدر ما تحمل أخطارا كبيرة، إذا لم يتم إطفاء الحريق الليبي بشكل سريع فإن كل المنطقة معرضة للخطر.هل شعرتم بأن دول الجوار لديها هاجس أن الأزمة في ليبيا، رغم كل الجهود التي بذلت في وقت سابق، تتجه إلى الانزلاق وليس إلى الحل؟ قابلت، الشهر الماضي، المبعوث الأممي إلى ليبيا، مارتن كوبلر، في روما الإيطالية، ووجدته يعيش حيرة كبيرة في معالجة هذا الملف، وأنا نصحته بجمع دول الجوار العربي لليبيا، الجزائر وتونس ومصر، باعتبارها الدول المعنية أكثر من غيرها بالوضع الليبي والمتضرر الأكبر من الأزمة، ويمكن أن تكون المستفيد الأكبر من استقرار الوضع في ليبيا، والمبادرة الجزائرية التونسية والمصرية يمكن أن تمثل إطارا للحل، وتحمل آفاقا له، باعتبار أن هذه الدول لم تتعاون من قبل لحل الأزمة، وكانت الجزائر تقوم بجهود منفردة وتونس بجهود منفردة ومصر أيضا، وهذه هي المرة الأولى التي تتعاون فيها الدول الثلاث، وتجتمع هذه الإرادات الثلاث على حل الأزمة والتصالح والوئام، خاصة وأن في الجزائر وتونس تجربة للتوافق الوطني والوئام المدني، لإطفاء الحرائق، واعتقد أن هذا النموذج يمكن أن يكون حلا للأزمة الليبية، وإطفاء الحريق الليبي وعودة الوئام المدني، ومن هنا يأتي الاستبشار بهذه المبادرة، وتأتي الحاجة إلى أن تتضاعف كل الجهود الرسمية والشعبية لحل الأزمة.وفي هذا الإطار تأتي مساهمتي باعتبار العلاقات التي نتوفر عليها مع الإخوة في ليبيا، على كل المستويات، سواء على مستوى الإسلاميين أو على مستوى النظام القديم. ما قبل البارحة (يقصد الثلاثاء) جمع لقاء بين أحمد أويحيى والشيخ علي الصلابي في هذا الإطار للبحث عن تسوية ليبية، وتعهد الشيخ الصلابي بأن يقوم ويضع كل جهوده للترويج لهذه المبادرة، وإقناع كافة الأطراف الليبية بمسعى الوئام المدني.هل نفهم أن هناك مبادرة تتبلور بين الجزائر وتونس ومصر، وهل هناك في الأفق قمة بين الرؤساء الثلاثة بوتفليقة والسيسي والسبسي؟ هناك اجتماع بين وزراء الخارجية الثلاثة، الجزائر وتونس ومصر، متوقع أن يكون في تونس قريبا، ليمهد، إذا سارت الأمور كما هو مأمول ومنتظر، للتتويج بقمة تعقد في الجزائر بين الرؤساء الثلاثة.لكن الجزائر وتونس متوافقتان على أكثر من مستوى بشأن الأزمة الليبية، هل تعتقد أن مصر وارتباطاتها المعروفة، تقبل بهذه المبادرة؟ أعتبر أن مصر من مصلحتها إطفاء الحريق الليبي، وهي متضررة من الأزمة الليبية، عدد من رعاياها ذبحوا في ليبيا، وعدد كبير من اليد العاملة المصرية، ما يقارب المليون، غادروا ليبيا وعادوا إلى مصر، ولا أعتقد أن لمصر أو لأي طرف آخر مصلحة في أن تستمر الأزمة في ليبيا، عدا من يريد أن يبيع السلاح، وأعتقد أن مصلحة دول الجوار العربي لليبيا في إنهاء الأزمة وعودة الاستقرار وليس العكس.لكن مصر في ظل ظروف وملابسات نظامها السياسي لديها مشكلة مع أطراف ليبية، أقصد الإسلاميين؟ أعتقد أن كافة الأطراف بدأت تقبل بحقائق الأمور، صحيح أن مصر لديها مشكلة مع الإسلاميين، ولا تريد لطرف إسلامي أن يكون طرفا في حل الأزمة الليبية، ولكن نحسب أن الجزائر نجحت في إقناع المصريين بأن أي معادلة حل في ليبيا لا ينبغي أن تقصي أحدا، والمسألة أن التجاذبات السياسية بين النظام والإسلاميين في مصر تبقى في مصر، لكل بلد منطقه وظروفه.هل كان هذا طلبك من الرئيس عبد العزيز بوتفليقة عندما التقيته مؤخرا، أي الضغط على مصر للقبول بالواقع الليبي كما هو وبأطرافه بمختلف توجهاتهم؟ اعتبر الجزائر تمارس هذا الدور بما تتمتع له من ثقل وعلاقات مفتوحة مع كافة الأطراف، وبما تملكه من تجربة في علاقتها مع الإسلاميين، الجزائر تحررت ولم يكن ذلك سهلا بعد أزمة التسعينيات الدامية، من التمييز بين إسلامي وإسلامي، هذه الصعوبة مازالت موجودة في مصر. عدم التمييز بين من هم داخل خريطة العمل السياسي السلمي وبين غيرهم، لكن الجزائر تجاوزت هذه المرحلة.عندما جاء السيسي إلى الجزائر ليقنع بإدراج الإسلاميين (يقصد الإخوان) في قائمة الإرهاب، أجيب أن هؤلاء خدموا معنا في الدولة، وتصدوا معنا للإرهاب، فكيف ندرجهم في قائمة الإرهاب؟ ولديهم ضحايا، أكثر من 500 من القيادات الإسلامية كانت ضحية للإرهاب، أحسب أن التجربة الجزائرية تمثل ثقلا وعنصر إقناع قويا، لعدم وضع كل الإسلاميين في كيس واحد ويكتب عليه إرهاب.هذا كان طلبكم من الرئيس بوتفليقة، بالمقابل ما الذي طلبه الأخير في هذا السياق؟ أن أبذل ما أستطيع من المساعي بهذا الشأن، خاصة بعلاقاتي مع الإسلاميين في ليبيا، حتى يقوموا بدور إيجابي لدعم مبادرات حل الأزمة الليبية وتقديم التنازلات الممكنة.على ذكر تجربة الوئام المدني والمصالحة في الجزائر، الجزائر استعادت المقاتلين من الجبال وأرسلت كبار قيادات جهاز المخابرات والجيش للتفاوض معهم، هل تعتبر أن تونس مؤهلة في الوقت الحالي لاستنساخ نفس التجربة في التعامل مع المسلحين المغرر بهم، والراغبين في العودة إلى أحضان المجتمع؟ أتمنى أن لا تصاب تونس بما أصيبت به الجزائر، الجزائر وصلت إلى هذه المرحلة بعد بحر من الدماء، وصلت إلى قناعة أنه لابد من التضحيات، حتى وإن كانت ثقيلة لأجل عودة السلم والوئام المدني، وقبلت بعودة أناس كانوا يقاتلون الجيش والأمن إلى أحضان المجتمع، وقبلت منهم الحوار، وذهبت إليهم إلى الجبال لتجلس معهم وتفتح طريق العودة إلى السلم، وعودتهم إلى بيوتهم، والحياة المدنية، ولم يكن ذلك يسيرا، ودفعت الجزائر ثمنا كبيرا، ولا أعتبر أن تونس تحتاج إلى أن تدفع ثمنا مشابها حتى تصل إلى هذه القناعة، قناعة أن تفتح باب السلم والعودة إلى الرشد أمام من يريد ذلك، وأن نشجع من يريد العودة إلى الرشد وعزل الفئة الباغية والأكثر تشددا، والتي ترفض رفضا مطلقا التعايش مع الآخرين، في تونس حتى الآن هذه اللغة مازالت لأن الدماء التونسية مازالت خضراء من سيّاحنا وحرسنا وجنودنا وشبابنا، والكرامة التونسية مازالت جريحة في بلد لم يتعود على العنف، هؤلاء يمثلون تحديا للشعور والكرامة الوطنية والحس العام، ولكن في النهاية بعد تطبيق القانون على الجميع لا بد من التفكير، وبعد أن تخضب شوكة هؤلاء وييأسوا من مغالبة الدولة وتنكسر شوكتهم، قد يفتح مجال التوبة أمام من عنده إرادة، لكن الآن الرأي العام غير مهيأ لهذه المرحلة التي وصلتها الجزائر بعد تضحيات كبيرة واحتاجت إلى شجاعة من نوع شجاعة الرئيس بوتفليقة، الذي يعرف ماذا يعني القتال والاقتتال الداخلي، وحمل على نفسه وحمل على شعبه وقال ”بركات من الدماء”.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات