المغرب يرفض الاستسلام لليأس مع الجزائر

38serv

+ -

 أعاد العاهل المغربي، محمد السادس، في خطابه الأخير، طرح ملف علاقات بلاده مع الجزائر، ودعاها إلى ما سماه “تضامنا صادقا”، بعد أن لم تفلح كل المحاولات السابقة في حلحلة الوضع على الحدود. غير أن الوصول إلى تطبيع كامل في العلاقات، كما تريده المملكة، يظل مصطدما في الواقع بملفات تجعله ما يزال بعيد المنال.لم يشذ خطاب محمد السادس عن سياق محاولات التقارب التي تبنتها المملكة المغربية في الأسابيع الأخيرة، حيث حاولت المغرب، في الأسابيع الأخيرة، التحرك باتجاه الجزائر عبر عدد من الخطوات، إلا أن ذلك لم يصل إلى درجة إحداث “الصدمة” اللازمة التي تؤسس لعهد جديد في العلاقات بين البلدين الشقيقين.زيارة بعد سنوات من القطيعةوقد كان لافتا قبل أكثر من شهر، تلك الزيارة التي أداها وفد مغربي رفيع المستوى إلى الجزائر، حاملا رسالة من الملك محمد السادس إلى الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة. واكتست الزيارة رمزية عالية، بالنظر إلى حجم المسؤولين المغاربة الذي كانوا ضمن الوفد، بعد شبه قطيعة دامت سنوات، حيث رافق الوزير المنتدب للشؤون الخارجية في المغرب ناصر بوريطة، مدير الإدارة العامة للدراسات والمستندات ياسين المنصوري، وهو بمثابة قائد جهاز المخابرات في بلده، والتقى هؤلاء المسؤولون بنظرائهم في الجزائر، الوزير عبد القادر مساهل، والمكلف بالتنسيق بين أجهزة الأمن عثمان طرطاڤ (قائد المخابرات الجديد).غير أن هذه الزيارة التي بدا أن أكثر ما حركها هو المخاوف الأمنية من نشاط الجماعات الإرهابية على الحدود بين البلدين، خاصة مع إحصاء نحو 270 مغربيا قدموا إلى الجزائر بنية التسلل إلى ليبيا من أجل الانضمام إلى تنظيم داعش، سرعان ما انتكس مفعولها الإيجابي، بفعل الرغبة المغربية في العودة إلى أحضان الاتحاد الإفريقي في مقابل اشتراط خروج الجمهورية الصحراوية منه، وهو ما لم تتجرعه الجزائر التي رمت بكامل ثقلها في المنظمة القارية لإبطال مفعول هذا التحرك.وقد أدى ذلك إلى عودة حرب التصريحات المغربية من جديد على الجزائر، بقيادة وزير الخارجية المعروف بحدة كلماته، صلاح الدين مزوار، فيما قابل المسؤولون الجزائريون ذلك بالتجاهل وعدم الرغبة في الرد على الاستفزاز، حيث جاءت تصريحات الوزيرين رمطان لعمامرة وعبد القادر مساهل مؤكدة على أن العودة إلى الاتحاد الإفريقي ينبغي أن تتم عبر تقديم طلب جديد، ودون فرض أي شرط، كما تنص على ذلك لوائح المنظمة.وزاد على ذلك الوزير الأول، عبد المالك سلال، بأن معارضة الجزائر للشروط المغربية في العودة للاتحاد الإفريقي، لا تعني أبدا وجود مشكل مع “الشعب المغربي” أو مع “المغرب عموما”، مبديا ترحيبه بإعادة ملفات التعاون بين البلدين. وقد جاءت رسائل سلال، الذي من النادر أن يتحدث في موضوع العلاقات مع المغرب، تلقائية خارج الرسائل الدبلوماسية المعتادة، وأظهرت رغبة في تهدئة جو التوتر الطارئ بعد زيارة الوفد المغربي الأخيرة.برودة جزائريةوأمام البرودة التي يبديها الجانب الجزائري، أصيب موقف المملكة، في السنوات الأخيرة، بـ”التخبط”، فهي حينا ترسل رسائل الود التي وصلت في بعض الحالات حتى إلى “استجداء” فتح الحدود، وحينا آخر تهاجم الجزائر بعنف في قضية الصحراء الغربية، إلى درجة وصفها بـ”العدو”، بينما تواجه السلطات الجزائرية ذلك كله بلامبالاة تامة، فهي تفضل إبقاء العلاقات مع جارتها الغربية في إطارها الدبلوماسي “المجاملاتي”، بعيدا عن الخوض في الملفات الشائكة، كما أنها لا تكلف نفسها عناء الرد على التصريحات المغربية، إلا في الحدود العامة التي تؤكد على موقف البلاد “الثابت” بخصوص قضية الصحراء الغربية.غير أن الجزائر التي ترفض مناقشة مسألة فتح الحدود لأسباب سياسية وأيضا اقتصادية، كونها كانت في السنوات الماضية مرتاحة من الجانب المالي عكس المملكة التي تضررت مناطقها الشرقية جراء ذلك كثيرا، قد تضطرها الظروف في السنوات القادمة لتغيير تكتيتكي في سياستها تجاه المغرب، خاصة مع تراجع مداخيل النفط وضرورة البحث عن بدائل لذلك، يراها عدد من الخبراء الاقتصاديين، على غرار عبد الرحمن مبتول، في تطوير التبادل في الفضاء المغاربي وسوقه المشتركة، بما يعزز نسب النمو الاقتصادي في القطاعات المنتجة.وإلى غاية الوصول إلى ذلك الأفق، لا تزال نظرة الجزائر “متحفظة” إزاء مسألة فتح الحدود، كونها تشتكي من تدفق كميات ضخمة من المخدرات إلى أراضيها قادمة من المغرب، ترصدها يوميا بيانات الجيش وحرس الحدود، كما تعاني من تهريب المواد الغذائية المدعمة إلى خارج حدودها خاصة الوقود، وهو ما يتسبب، حسب وزير الداخلية نور الدين بدوي، في نزيف ملياري دولار سنويا من الخزينة العمومية.أما المغرب، فيرى المسألة من زاوية إنعاش مناطقه الشرقية التي تعرضت للتفقير بعد غلق الحدود، كما جاء في اتهام الملك المغربي في أحد خطاباته. وهذا ما يجعل الجزائر الرسمية، ربما، تتحفظ أكثر، كون المغرب كان سلوكه شديد البراغماتية، عندما قرر فرض التأشيرة على الجزائريين في 1994، مستغلا حالة الضعف التي أصابت الدولة الجزائرية من أحداث تلك الفترة. وإلى أن يتم إيجاد علاقة توازن حقيقية في المصالح بين البلدين، ستبقى أقفال الحدود الغليظة مطبقة على رغبة شعبي البلدين في التواصل، كما هو حال كل الدول الجارة في العام.    

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات