أعرب سفير الجزائر لدى الولايات المتحدة الأمريكية، مجيد بوڤرة، في رسالة إلى عضوين بالكونغرس الأمريكي (البرلمان)، عن “خيبة أمل عميقة وقلق” إزاء مضمون مشروع قانون ميزانية عام 2017، الذي يحتوي على حكم يقضي بإلزام الجزائر بالانخراط في عملية إحصاء اللاجئين الصحراويين في مخيمات تندوف. ووفقا لرسالة بوڤرة، فإن هذا الإجراء يجبر وزير الخارجية الأمريكي على “اتخاذ جميع الخطوات العملية لضمان تعاون الحكومة الجزائرية مع مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين لإجراء إحصاء للاجئين الصحراويين في مخيمات البوليزاريو في تندوف”.وأضاف السفير الجزائري إن “سفارة الجزائر لا تفهم ولا تقبل هذا البند الذي يقحم الجزائر في سياق مشكلة لا تعنيها”، محذرا: “أنا ألفت انتباهكم إلى خطورة هذا الإجراء والعواقب التي يمكن أن تنجم عنه، كونه حكما غير مبرر وغير مقبول”. مواقف تضر بالعلاقة بين الجزائر وواشنطنوعلى الرغم من أن السفير بوڤرة لا يشير صراحة إلى طبيعة “العواقب” التي تحدث عنها، إلا أن موقع “المونيتور”، الذي نشر الرسالة كاملة، أشار نقلا عن العضو الجمهوري بالكونغرس، شون دافي ويسكونسن، إلى أن الحفاظ على هذا البند “سيضر بعلاقة واشنطن مع الجزائر، التي كانت شريكا أمنيا مهما في شمال إفريقيا والمغرب العربي، ومن شأنه أن يعطي أيضا انطباعا خاطئا بأن الولايات المتحدة لم تعد تدعم جهود الوساطة التي تقودها منظمة الأمم المتحدة”. وقالت بيتي ماكولوم، العضو الديمقراطي بالكونغرس عن ولاية مينيسوتا، التي راسلها بوڤرة أيضا حول نفس الموضوع، إنه “ليس لهذا الحكم على ما يبدو أي تأثير آخر غير الإساءة إلى الحكومة الجزائرية والأذى بعلاقاتنا الثنائية الهامة”.وأضافت “في الوقت الذي تظل مكافحة الإرهاب أولوية للأمن القومي، لا أعتقد أنها فكرة جيدة لإزعاج حكومة صديقة مثل الجزائر”. ويأتي هذا القلق الجزائري، موازاة مع إعراب المغرب عن رغبته في العودة إلى أحضان الاتحاد الإفريقي، في رسالة بعثها، أمس، ملك المغرب لقادة الدول الإفريقية المجتمعين في قمتهم السنوية بالعاصمة الرواندية “كيغالي”.إذ زعم الملك محمد السادس أن “المغرب يتجه اليوم، بكل عزم ووضوح، نحو العودة إلى كنف عائلته المؤسسية”، مضيفا أنه “يثق في حكمة الاتحاد الإفريقي، وقدرته على إعادة الأمور إلى نصابها، وتصحيح أخطاء الماضي”، في إشارة منه إلى موقف إفريقيا المؤيد لحق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره عبر استفتاء شعبي تحت إشراف منظمة الأمم المتحدة. ولإقناع أعضاء الاتحاد، تعهد محمد السادس بالعمل “على تجاوز كل الانقسامات”، التي يرى أن سبب وجودها هو تباين مواقف أعضاء الاتحاد من قضية الصحراء الغربية، التي هي من اختصاص منظمة الأمم المتحدة، وليس أي منظمة إقليمية أو دولية أخرى.ولدى تبرير غياب المغرب الذي غادر الاتحاد الذي كان يسمى قبل قمة الجزائر 1999، منظمة الوحدة الإفريقية، طواعية في سنة 1984، احتجاجا على تبني الاتحاد قضية الشعب الصحراوي، زعم محمد السادس أنه “رغم كون المغرب قد غاب عن منظمة الوحدة الإفريقية، فإنه لم يفارق أبدا إفريقيا”.وفي محاولة منه لإبعاد أي مطلب بالتنازل عن أطماعه التوسعية في الصحراء الغربية، هاجم الملك المغربي، الجزائر والدول الإفريقية التي تؤيد حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره وبناء دولته المستقلة على أراضيه المحتلة منذ 1975، بالقول: “... ما تزال بعض الدول تدعي بأن المغرب لا يمكن أن يمثل إفريقيا، لأن معظم سكانه ليسوا سودا.. فإن الذين يحاولون تشويه سمعة المغرب، إنما يسيئون في الحقيقة، للأفارقة أنفسهم، فمكانة المغرب في إفريقيا، والشعبية التي يحظى بها لم تعد في حاجة إلى دليل أو برهان”.حق أريد به باطلولدى حديثه عن أسباب انسحاب بلاده من الاتحاد في 1984، أرجع محمد السادس ذلك إلى “تفادي التجزئة والانقسام” داخل البيت الإفريقي، واستجابة لرغبة الشعب المغربي الرافض “لانضمام كيان (يقصد الجمهورية الصحراوية) فاقد للسيادة” إلى منظمة الوحدة الإفريقية سابقا، والتي “لم تكن وقتها قد تجاوزت مرحلة المراهقة”، حسب تعبيره.ولأنه يعلق جميع مشاكل بلاده على الدبلوماسية الجزائرية، ودول محورية أخرى في إفريقيا مثل جنوب إفريقيا ونيجيريا، فقد سعى محمد السادس للإمعان في تصويب بندقيته تجاه كل من يساند القضايا العادلة في العالم، وتحديدا في إفريقيا، وتخليص هذه الأخيرة من آخر مستعمرة فيها، وهي جمهورية الصحراء الغربية.وفي هذا الصدد، دعا محمد السادس هذه الدول “للابتعاد عن التلاعب وتمويل النزعات الانفصالية، والتوقف عن دعم خلافات عفا عليها الزمن، وذلك بالتوجه لتدعيم خيار واحد، هو خيار التنمية البشرية والمستدامة، ومحاربة الفقر وسوء التغذية، والنهوض بصحة شعوبنا، وبتعليم أطفالنا، والرفع من مستوى عيش الجميع”، وكأن هذه الأهداف أصبحت حقيقة في بلده الذي يرزح تحت الفقر! اعتراف بالجمهورية الصحراويةأما بخصوص قضية الصحراء، فقد اتهم الملك المغربي الاتحاد الإفريقي بأنه واقع في “تعارض واضح مع الشرعية الدولية”، وبرأيه فإن جبهة البوليزاريو “كيان مزعوم ليس عضوا لا في منظمة الأمم المتحدة، ولا في منظمة التعاون الإسلامي، ولا في جامعة الدول العربية، ولا في أي هيئة أخرى”، علما بأن جميع الدول المستعمرة لم تكن تحظى بأي عضوية في أي من المنظمات التي تحدث عنها وإلا كيف تكون محتلة مسلوبة الحرية والقرار والإرادة!ولم تتوقف أخطاء العرش المغربي عند هذا الحد، حيث استرسل في انتقاد الموقف الإفريقي الداعم للشعب الصحراوي، معتبرا بأن موقف الاتحاد الإفريقي “يتعارض كليا مع تطور قضية الصحراء على مستوى الأمم المتحدة”، مشيرا إلى مسار التسوية الذي يرعاه مجلس الأمن، للتوصل إلى حل سياسي دائم لهذا النزاع، وهو كلام يتناقض تماما مع ميثاق الاتحاد الإفريقي الذي يلزم أعضاءه بواجب التضامن فيما بينهم وعدم إشعال الأزمات بين الدول، الشيء الذي لم يحترمه المغرب من خلال هذه الرسالة.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات