+ -

 استقبل الرئيس السوري، بشار الأسد، وزير الشؤون المغاربية والاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية، عبد القادر مساهل، في أول لقاء لمسؤول جزائري على هذا المستوى يجري بالعاصمة السورية دمشق، منذ اندلاع الأزمة السورية سنة 2011. وأعلنت الجزائر، على لسان وزيرها، دعما واضحا وصريحا للقيادة السورية الحالية في ما قالت إنه “حربها على الإرهاب”. احتفى الإعلام الرسمي السوري بالصورة التي ظهر فيها الرئيس بشار الأسد مع الوزير عبد القادر مساهل، كأحد العناوين الكبرى لعودة العاصمة دمشق إلى واجهة الأحداث، باعتبارها مقصدا هاما لمسؤولين سامين في دول عربية، عادوا إليها بعد فترة انقطاع وصل إلى درجة الحصار بسبب حالة الحرب الطاحنة التي تشهدها البلاد منذ عدة سنوات.وتبادل الرئيس السوري والوزير الجزائري في اللقاء رسائل مباشرة تؤكد على تقارب كبير بين البلدين في قراءة ما يجري من أحداث في سوريا تحديدا والعالم العربي. فحسب ما ذكرت وكالة الأنباء السورية “سانا”، فإن مساهل “قد عرض للرئيس الأسد التجربة الجزائرية في مواجهة الإرهاب والتطرف وتحقيق المصالحة الوطنية”.وبمجرد تشبيه الجزائر ما يحدث في سوريا بأزمة الإرهاب التي عاشتها، فإنها توجه رسالة إلى الداعمين لبعض الفصائل المعارضة، بأنها لا يمكن أن تعترف إلا بطرف وحيد في سوريا هو النظام القادر، حسبها-، على تحقيق هذه المصالحة، وبالتالي فإنها ترى بقاءه ضرورة للوصول إلى هذه الغاية.ورد الرئيس الأسد على كلام الوزير مساهل، معبرا عن تقديره “للموقف المبدئي الذي تقفه الجزائر مع سوريا”، واعتبر أن “الإرهاب لم يعد محليا وإنما بات جزءا من لعبة سياسية تهدف لضرب وإضعاف الدول التي تتمسك باستقلالية قرارها”، مستغلا المناسبة للتأكيد على أن “الوضع في سوريا أصبح أفضل وأن الشعب السوري مستمر في صموده وتماسكه للدفاع عن أرضه”.ولم يتوقف مساهل عند هذا الحد، فقد أكد عقب استقباله رئيس مجلس الوزراء السوري، وائل الحلقي، أن زيارة الوفد الجزائري “تأتي تضامنا مع سوريا في مكافحة الإرهاب”، وقال: “قدمت رسالة إلى السيد الرئيس بشار الأسد تحمل صداقة ومحبة وتهاني بلادي شعبا وحكومة بمناسبة ذكرى الاستقلال، فنحن في الجزائر نعرف معنى الاستقلال والحرية ودفعنا ثمنا غاليا لاستقلال البلاد ومكافحة الإرهاب”.وجدد مساهل تأكيد الجزائر على تمسكها بسياسة عدم التدخل في شؤون الآخرين ورفض التدخل في شؤونها، وقال: “لدينا مواقف ومبادئ ندافع عنها في كل المحافل الدولية ولا نتدخل في شؤون الآخرين، بل ندعو للحل السياسي عن طريق المفاوضات والدبلوماسية واحترام إرادة الشعوب”.وأبرزت الدبلوماسية الجزائرية من خلال هذه الزيارة، بأنها ترفض التعامل مع سوريا من منظار الأزمة التي تعيشها فقط، بدليل اجتماع لجنة مشتركة بين البلدين تبحث كل المسائل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وفي هذا السياق، أوضح مساهل أن الاجتماع مع رئيس مجلس الوزراء تطرق إلى أبعاد التعاون مع سوريا ونتائج اجتماعات اللجنة المصغرة السورية الجزائرية للتعاون الاقتصادي وإمكانية تطوير حجم التبادل التجاري “ضمن إمكانياتنا وطاقاتنا والقوانين المعمول بها في البلدين”، إضافة إلى دور الإعلام والثقافة وإمكانيات تبادل البرامج الثقافية، ولاسيما أن الشعب الجزائري يعلم الكثير عن المسرح والفنانين والمثقفين السوريين”.وتشير التحركات الجزائرية الأخيرة باتجاه دمشق، إلى أن الجزائر حسمت موقفها من الأزمة السورية ومن نظام بشار الأسد، بعد أن كانت في السنوات الأولى لبداية الأزمة السورية تتبنى موقفا متحفظا مما يجري، حتى وإن كانت رافضة على الدوام لأي اعتراف بممثل بديل عن بشار الأسد للشعب السوري.وبذلك تكون الجزائر قد اختارت التموقع الواضح في محور الدول العربية والإسلامية المساندة لنظام بشار الأسد، في مواجهة محور دول الخليج الذي لا يرى عن إسقاط هذا النظام، الذي يعتبره مجرما، بديلا. ومما يدعم ذلك، أن زيارة مساهل إلى سوريا جاءت في سياق أزمة صامتة تعيشها الجزائر مع السعودية، خاصة بعد إبداء دول الخليج، في قمتها الأخيرة، دعما صريحا للمغرب في قضية الصحراء الغربية بحضور العاهل المغربي محمد السادس. وإن لم يكن هذا الموقف جديدا فإنه شكل “استفزازا” للجزائر في التوقيت الحالي، وفق ما ذكره الدبلوماسي الجزائري السابق حليم بن عطاء الله لـ”الخبر”.كما أصبحت الجزائر تشكل الاستثناء بمواقفها في الجامعة العربية التي يهيمن عليها التأثير الخليجي، بعد انحسار أدوار بقية الدول التي عادة ما تشارك الجزائر نظرتها مثل العراق واليمن، وشغور مقعد سوريا، وتبين ذلك بوضوح في رفض اعتبار الجزائر “حزب الله” منظمة إرهابية في اجتماع وزراء الداخلية العرب في تونس قبل نحو شهرين، ورفض الجزائر الانخراط في التحالفات التي شكلتها السعودية في اليمن أو في مكافحة الإرهاب.كما تشهد العلاقات الجزائرية الإيرانية بالمقابل انتعاشا غير مسبوق في الفترة الأخيرة، بالتوقيع على عقود بمليارات الدولارات وتبادل زيارات رفيعة المستوى. كل هذه التطورات جعلت بعض التحليلات في الصحف العربية تصل إلى درجة القول إن “الرئيس بوتفليقة صار يمثل عدوا جديدا بالنسبة للسعودية”.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات