هل الفساد في الجزائر حقيقة أم بهتان فبركته المخابرات؟ǃ

+ -

الفساد ظاهرة قديمة عرفتها البشرية على مر الأزمنة والعصور، وقد كانت ولا تزال العامل الأساسي في انهيار أنظمة الحكم المعتل بها.. وفي زوال الإمبراطوريات والحضارات قديما وحديثا.. كما كانت ظاهرة الفساد هي المحرك الأساسي للثورات والانتفاضات الشعبية قديما وحديثا، وأطاحت بأنظمة الحكم التي تفشى فيها الفساد.وفي مطلع العشرية الحالية ازدادت ظاهرة الثورات والانتفاضات الشعبية، رافعة شعارا لها “يسقط الفساد”، فيما عرف في منطقتنا بـ “الربيع العربي”. ولا نظن أن هناك اثنين يختلفان في أن ظاهرة الفساد هي أخطر الآفات التي تهدد بقاء أنظمة الحكم المتفشي فيها، وهي الطاعون الذي ينخر جسدها ويعجّل بفنائها.. كما نعتقد يقينا أنه لا يدافع عن الفساد ولا ينكره عن المفسدين إلا مفسد، وأن من يدعي أن ملفاته مفبركة لا يمكن أن يكون إلا واحدا من اثنين: إما مستفيد من الفساد، وهو نفسه فاسد وضالع في الفساد.. وإما أن يكون في الخفاء راغبا في تفشي الفساد عن وعي بهدف إسقاط نظام الحكم خدمة لجهة ما؟لذلك لم نستطع أن نضع في أي خانة وزيرا ورئيس حزب محسوبا فيما يتظاهر به أنه مؤيد لرئيس الجمهورية، ادعى في حصة تلفزيونية بثتها قناة “النهار” يقول: إن جهاز المخابرات فبرك ملفات فساد كبرى، على غرار الطريق السيّار شرق وغرب وسوناطراك، وغيرها.. بهدف تشويه صورة الرئيس أمام الرأي العام داخليا وخارجيا عبر توريط رجالات ثقته الخ.. إن مثل هذه الكلام لا يمكن أن يصدر عن مسؤول سياسي صادق في تأييده وموالاته لرئيس الجمهورية.إن مثل هذا الادعاء لا يمكن أن يفهم منه إلا شيئا واحدا من اثنين هما:1) إما أن المتكلم يعي ما يقول، ولكنه يستعمل الحيلة في كلامه، فيعمد إلى أسلوب البلاغة في الكلام ليستعمل التورية ويأتي بلفظ ظاهره رغبة السامع (إرضاء الرئيس)، وباطنه أن المتكلم ينوي غاية أمر آخر (هي الطعن في منظومة الحكم برمتها، لأن جهاز المخابرات مؤسسة دستورية يشرف عليها الرئيس “بصفته وزير الدفاع والقائد الأعلى للقوات المسلحة”، وعملت تحت مسؤوليته طيلة 15 سنة وكان راضيا عنها). وفي هذه الحالة؛ فإن القراءة الصحيحة والسليمة هي أن المدعي بفبركة ملفات الفساد يطعن في عهدات فخامة الرئيس بكاملها عندما يقول: المخابرات فبركت ملفات الفساد لاستهداف تشويه صورة الرئيس عبر توريط رجالات ثقته، (مدح الرئيس بما يفيد الذم وهو نوع من الإساءة بالغمز واللمز لعهدات الرئيس والتشويه المبطن لسمعته ينبغي أن يحاسب عليه المدعي ويتابع قضائيا)، ذلك أن المتكلم المدعي في هذه الحالة يعلن صراحة أن الرئيس لم يحسن اختيار رجالات ثقته، وهذا الرأي مسؤول عنه صاحبه ويجب أن يسأل عنه قائله.. ونحن لنا رأي مخالف لهذا الادعاء.2) وإما أن المتكلم يعي ما يقول أيضا وهو صادق في كلامه، ولكنه يخشى على حياته من مجموعة الفساد صاحبة النفوذ، فيقلب أسلوب التورية في كلامه، فيأتي بلفظ ظاهره إرضاء رغبة المتورطين في الفساد.. وباطنه نصيحة الرئيس بأن هؤلاء المتورطين في الفساد خانوا ثقة الرئيس وخدعوه.. وهذا أمر معتاد؛ لأن الخداع وخيانة الثقة من طبائع وشيم المفسدين.وعليه، يجب أن نضع في الحسبان أن الثورات والانتفاضات ضد ظاهرة الفساد لا تعرف حدودا زمنية ولا حدودا مكانية، فلا يقتصر وجودها على مجتمع معين ولا على دولة دون أخرى، لأنه لا يوجد على وجه الأرض المجتمع الفاضل الذي يخلو من الفساد ومن المفسدين. كما أن ظاهرة الفساد لا تقتصر على الدول النامية دون الدول المتقدمة، غير أن تفشيها في الأولى أكثر وتأثيرها أخطر على استقرارها ودوام بقائها. ومن المعلوم أن الفساد الإداري هو أخطر أنواع الفساد على الإطلاق؛ لأنه يصيب الإدارة بالشلل ويجعلها غير قادرة على النهوض بالمهام المطلوبة منها، فهو المشكلة الأخطر على الدول المتفشي في إدارتها؛ نظرا للآثار السلبية الهدامة المترتبة عليه، بل لأنه الوباء الذي ينخر كيان الدولة ويقوض قيم وأخلاق المجتمع فيها. كما يعيق برامج تنميتها ويخل بمبادئ عدالتها وسيادة القانون فيها، ويعدم النزاهة والمساواة بين أفراد المجتمع فيها، فهو الجريمة الأخطر في حق نظام الحكم وفي حق المجتمع في آن واحد.. وله صلة وثيقة ومباشرة بالجريمة المنظمة وغسيل الأموال بصفة خاصة، كونه يختلف عن الجرائم التقليدية الأخرى؛ فهو من الجرائم الخفية التي تتم بصورة سرية؛ إذ لا توجد ضحية واضحة ومحددة يمكن أن تقدم شكوى ضد المتسبب في الضرر الذي أصابها، فأحد أطراف هذه الجريمة هو المستفيد من ارتكابها، وهو يعلم بتفاصيل ما ارتكبه من جرم في حق الدولة وفي حق المجتمع، ولكنه لا يقوم بالإبلاغ عنها، بل لا يعترف بارتكابه لهذه الجريمة، لذلك كانت جرائم الفساد الإداري متعددة الجوانب بالنظر لتعدد صورها وتعدد مظاهرها التي أخذت تتجاوز حدود الدولة الواحدة، لتصبح ظاهرة دولية، كما اكتشف وقائعها القضاء الإيطالي.. لذلك لم يعد من الممكن محاربتها بالوسائل والإجراءات الوطنية فقط، في ظل التقدم العلمي والتكنولوجي الذي كان من انعكاساته السلبية، تطوّر وسائل وأساليب ارتكاب الفساد الإداري الذي أصبح يتخذ أشكالا جديدة ومتطورة يصعب التعرف عليها في كثير من الأحيان.كما تفنّن مرتكبو جريمة الفساد في زيادة ثرواتهم بطرق غير مشروعة، ولم تعد الوظيفة العامة لديهم لخدمة المجتمع، وإنما أصبحت لديهم أداة يتاجرون بها ويستثمرون سلطاتها لتحقيق أغراضهم الشخصية ومصالحهم الخاصة.د/ بشير مشري أستاذ محاضر بجامع الجزائر 2

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات